في مفاجأة غير متوقعة مر التصويت على الاستجواب بـ13 صوتاً فقط من أصل أربعين صوتاً، ما معناه أن الحكومة لم تنجح إلا في 10 أصوات من أصل أربعين والبقية تحايلوا على إبداء الموقف إما بالامتناع أو بالخروج من القاعة أو بعدم حضور الجلسة!!
على غير المتوقع ساد الإرباك الفريق الحكومي بما فيه من النواب المؤيدين لها الرافضين للاستجواب، وهكذا و«بغفلة» تكتيكية إن جاز التعبير، وجدنا أنفسنا كدولة كمجتمع أمام أول استجواب علني لوزير حكومي منذ بداية عودة الحياة النيابية 2002 أي بعد مرور اثني عشر عاماً وفصلين تشريعيين وغياب دام 25 عاماً تسبقها مرت على حل البرلمان الأول، حاولت فيها الحكومة عرقلة هذا الاستحقاق الدستوري ومنعه -وهذا حقها المشروع- وأكاد أجزم بأن النتيجة كانت مفاجئة حتى لطالبي الاستجواب الذين أصابهم اليأس بعد تقرير لجنة «فحص الجدية» واعتقدوا أن الاستجواب قد تم وأده.
بداية لا يجب أن ينظر لهذا الحدث بمنظار الربح والخسارة، الهزيمة أو الانتصار، علينا أن ننظر له من منظور أشمل بعيداً عن شخص الوزير الذي نكن له كل التقدير والاحترام، علينا أن ننظر إلى نتائج هذه الخطوة وانعكاسها على التجربة البرلمانية بشكلها العام وعلى موقف البحرين وسمعتها الدولية التي شوهت وحرفت فيها الحقائق، وتم نشر أكاذيب فاقعة بأن الدستور البحريني واللائحة البحرينية يمنعان ويحدان من الاستجواب العلني استناداً لا على النص بل على عدم استخدامه.
لهذا فإن كسر الحاجز الذي وضع على مدى عقد من الزمان ضرورة ملحة من أجل التجربة نفسها ومن أجل البحرين، لقد تجمدت هذه الأداة وصدئت في الأدراج وتكرست حالة الامتناع عن استخدام هذه الأداة الرقابية عند السلطتين التنفيذية والتشريعية، حتى كدنا أن نصدق أن وجود هذه الأداة الدستورية «حلم» وليس حقيقة لا لقصور في التشريع بقدر ما هو قصور في الفهم، واستغل فريق الكذب والتزوير هذه الحالة لتسويق ادعاءاتهم الكاذبة، واليوم أسقط في أيديهم، وسيشهد العالم كله أن الدستور واللائحة الداخلية في مملكة البحرين يعطيان الحق للإرادة الشعبية أن تراقب أداء السلطة التنفيذية وتستجوب أعضاءها علناً، بغض النظر عن مستوى أداء النواب وبغض النظر عن مستوى أداء الوزير وبغض النظر عمن هو وما هي النتيجة التي سيؤول إليها الاستجواب، البحرين نجحت في كسر الحاجز والبدء في وضع أول لبنة من لبنات تفعيل الإرادة الشعبية في ممارسة حقها الرقابي على أداء السلطة التنفيذية.
ولا أرى حقيقة من داعٍ لمزيد من التأخير والتأجيل والتخوف من كسر هذا الحاجز ورؤية وزير -أياً كان هذا الوزير- يصعد على منصة الاستجواب، وهناك حضور من العامة ونقل إعلامي ويستمع الناس وبكل شفافية للسلطتين وهما تتنافسان على توضيح موقفهما للرأي العام من بنود الاستجواب.
إن كنا ننتظر أن نتأكد بأن حق «استجواب الوزراء» لابد أن يكون في أيدٍ أمينة حتى نسمح به، فنجهد بوضع ألف حاجز قبل أن نسمح به علنياً، فتلك أمنية لن تتحقق أبداً طالما لم نمر بالتجربة ولم نتعلم، وطالما قدمنا رِجلاً وأخرنا أخرى في استخدام هذه الأداة، تراكم الخبرات عند السلطتين وحده الكفيل بتوفير هذه الأيدي الأمينة.
وأيدٍ أمينة المقصود بها أيدٍ تستخدم هذا الحق بمهنية، أي أيدٍ تلتزم بضوابط الاستجواب المنصوص عليها في الدستور وفي اللائحة الداخلية، وتسأل الوزير في اختصاصاته وضمن صلاحياته، وتتقدم للمناقشة بخلفية مؤهلة ببنود وصحيفة الاستجواب.
هذه الدرجة من الأمانة لن تتحقق بحاجز لجنة فحص الجدية والتصويت على الإحالة للجنة المعنية و.. و.. وغيرها من عراقيل، «القيد الوحيد الذي نراه مشروعاً في هذه المرحلة لضمان أيدٍ أمينة هو تعديل الشروط الخاصة بالتأهيل الأكاديمي للمرشح» أما درجات الأمانة المتوخاة فهي مهارات لن تكتسبها السلطة التشريعية إلا عبر خوض التجربة وعبر تراكم الخبرات لدى أعضائها أفراداً كانوا أو كتلاً، وحتى السلطة التنفيذية تحتاج أن تخوض هذه التجربة حتى تتدرب وتتعلم ولكن كيف سنراكم الخبرات ونحن نئد التجربة في كل مرة؟