كل عام وكل المسلمين بألف خير ورمضان كريم. بالأمس القريب دخل علينا شهر رمضان الكريم ونحن في حال لا يسرّ عدو ولا صديق، لكن نتمنى من الله تعالى أن يبدل حالنا وييسر أحوالنا، على الرغم من إيماننا الشديد بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
حروب وويلات ومجازر دموية مروعة واصطفافات طائفية وحزبية وفتن لا تحصى من المحيط إلى الخليج، واضطرابات لا تبشر بالخير، فرائحة الموت والكراهية أزكمت أنوفنا، وطبول الحرب دقت في كل مكان، وما نرجوه من الله تعالى اليوم أن يتجاوز العالم الإسلامي محنته بحكمة وشجاعة، وأن يدرك أبناؤه حجم الأخطار المحدقة بهم من كل حدب وصوب، كما يجب عليهم أن يتحدوا فيما بينهم أكثر من أي وقت مضى.
إن لشهر رمضان الكريم دوراً فاعلاً في تربية وتوجيه الفرد المسلم والجماعات المسلمة نحو الرشد الذاتي والمجتمعي والسياسي، ففي رمضان مجموعة من الدروس والعبر يمكن للمسلم استخلاصها عبر تربية النفس وتهذيب الذات وتطهيرها من كل أرجاس الأنانية والأحقاد وبقية الأمراض الروحية والنفسانية، وهي فرصة سانحة لكل المسلمين أن يعيدوا حساباتهم للبناء والعطاء والبذل، فمن دون كل هذه المفاهيم الإسلامية الكبيرة، سيظل شهر رمضان المبارك كبقية أيام العام، ولن يكون فارقاً في حياتنا ولن يترك فينا بصمته المتفردة التي يمكن لها أن تربينا كأفراد وكمجتمعات، لأن المغزى الحقيقي من الصوم حينها قد انتفى، وفلسفته العظيمة ربما تموت بموت وعي المسلم بأهمية أن تتحرك عاطفته وعقله نحو الحق، وباتجاه التضحيات التي تصب في مصلحة الآخرين قبل مصالحنا الشخصية.
مهما تحدثنا عن القيم والمثاليات والهموم التي تطرح نفسها كواقع إسلامي قلق؛ يظل شهر رمضان المبارك فرصة لإنكار الذات والابتعاد قليلاً عن تقديس الأنا، وهذا يتجلى عبر حزمة من السلوكيات التي يجب على المسلمين أن يقوموا بها، وإلا فلن نتجاوز بصيامنا مرحلة الجوع والعطش، وهي المراتب الدنيا لفلسفة الصوم.
من المهم كذلك أن نبتعد في هذا الشهر الفضيل عن كثير من الممارسات الخاطئة والعادات السيئة التي نمارسها طيلة أيام حياتنا، لعل من أبرزها، مسألة الإسراف في المطعم والمشرب وغيرها من حاجات الجسد، ففي الوقت الذي يفتش بعض المعوزين في العالم الإسلامي عن لقمة عيش لهم ولصغارهم، يرمي كثير منا ملايين الأطنان من الطعام الزائد في مزابل المسلمين، وهذا تحدٍ صارخ لأهداف الصوم وما شرع لأجله الصيام. هنالك أيضاً بعض السلوكيات التي يجب أن تصحح من خلال الصوم، وهي قضايا تتعلق بتهذيب النفس وتطهيرها من الأمراض الأخلاقية؛ كالبغض والحسد والحقد والكراهية والعداوة، فشهر رمضان يعد من أكبر «الفلاتر» التي تقوم بتطهير النفس من كل أدرانها، وهي فرصة ذهبية للأفراد والمجتمعات الإسلامية كي يحصدوا ثمار الصوم بطريقة راقية، كما كان يفعل أسلافنا منذ واقعة بدر الكبرى، وقبل أن نرتمي في حضن الشيطان وفي أحضان الدول الاستعمارية الكبرى.
مجد من الصيام تعلمناه من أجدادنا في مدن البحرين وقراها، فنشأنا تحت ظلاله الوارف، وها نحن اليوم نصوم بالطريقة الخاطئة، فحب النفس أصبح لدينا أعظم من حب الآخرين، ولهذا أصبحنا كما وصفتنا المرويات «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش».