دعوة جلالة الملك للمواطنين بالمشاركة الفاعلة في الانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة أكثر من مرة وخلال فترة زمنية قصيرة ماذا تعني؟
هذه الدعوات ليست تقليدية أو حتى عفوية، فجلالته حرص على توجيه مجموعة من الرسائل السياسية المهمة مؤخراً، وهي رسائل جاءت لتحسم جدلاً طويلاً محتدماً على مستوى النخب أو حتى على مستوى العامة حول مستقبل الديمقراطية البحرينية.
جلالة الملك عندما يتحدث عن الانتخابات المقبلة، فإنه يتحدث عن مستقبل المشروع الإصلاحي الشامل الذي دشنه جلالته قبل أكثر من عقد، ويتحدث عن مسار الديمقراطية البحرينية. يمكن تحليل عشر رسائل سياسية مهمة في مجموعة خطب جلالته الأخيرة.
الرسالة الأولى هي تأكيد التزام جلالة الملك بمسار التحول الديمقراطي الذي توافق عليه الشعب مع جلالته في 14 فبراير 2001، وبالتالي هو التزام متبادل بين كافة الأطراف، ويعد بمثابة عقد اجتماعي تاريخي توافق عليه البحرينيين بعضهم بعضاً.
الرسالة الثانية هي تأكيد على أن المملكة تمضي قدماً نحو مزيد من الإصلاح السياسي، لأنها عملية مستمرة لا تتوقف بسبب تطور المصالح ونمو الوعي السياسي وتغير الظروف المجتمعية. ولذلك لا يمكن القبول بتوقف هذه العملية يوماً، فتوقفها أو تعطيلها محاولة لإيقاف عملية الإصلاح السياسي طويلة المدى التي تشهدها البحرين ويجب أن تحافظ عليها.
الرسالة الثالثة تشير إلى أن من يرغب بالعودة للوراء فإنه سيعود وحده، ولن يعود معه أحد، والبحرين تمضى قدماً، ولن تنتظر أحداً يحاول اختلاق الأزمات والمشاكل ويزعزع الأمن والاستقرار. بل المشاركة الإيجابية تتطلب من الجميع المشاركة في تحمل مسؤولية الدولة وبناء مستقبل بأسلوب تشاركي وتوافقي دون تهميش أو إقصاء.
الرسالة الرابعة تؤكد أن أجواء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد قبل أعوام وتداعياتها يجب أن تنتهي والشعب هو الذي سينهيها بتمسكه بخياراته الديمقراطية، فلا خيارات غير ديمقراطية لمعالجة تلك التداعيات لأن هذه الخيارات تفرض المزيد من تطبيق القانون والتمسك به، حيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات.
الرسالة الخامسة تؤكد أن الديمقراطية وإن مرّت بها أزمات متعددة فيجب معالجتها ديمقراطياً أيضاً، وهنا نتذكر المعادلة الأساسية للديمقراطية «لا تحل مشاكل الديمقراطية إلا بمزيد من الديمقراطية».
الرسالة السادسة تؤكد خسارة الرهان الخارجي من أجل تحقيق مكاسب ذاتية ومصالح خاصة ما دامت مكونات الشعب تحمل إيماناً كبيراً بخطورة الانقسامات والتدخل الخارجي. وعليه فإن التعويل على الأوضاع الإقليمية تعويل خاطئ وخاسر ولن ينتهي بنتيجة غير الخسارة.
الرسالة السابعة تؤكد ضرورة التمسك بالخيارات المحلية لتطوير الديمقراطية البحرينية، وعدم القبول بأي مشاريع أو أفكار أجنبية أو دخيلة باسم الممارسات الدولية أو باسم الديمقراطيات العريقة. فمن يحاول تطوير الديمقراطية يجب أن يطورها طبقاً لمصلحة البحرينيين جميعاً، وليس لمصلحة طائفة أو مجموعة أو جماعة أو حتى جمعية.
الرسالة الثامنة تؤكد التزام البحرين والبحرينيين بخيار الدولة المدنية التي يسود فيها القانون وتعتمد على دولة المؤسسات ونظام الفصل بين السلطات. نظام الفصل والتوازن بين السلطات شهد تقدماً كبيراً وينبغي تقدير هذا الإنجاز خلال السنوات الماضية. وفي الوقت نفسه لا يمكن التنازل عن خيار الدولة المدنية التي تنتهي فيها جميع المحاولات لبناء دولة داخل الدولة، أو يتم تحدي هيبة الدولة وسيادة القانون.
الرسالة التاسعة تؤكد أهمية مواجهة الإرهاب والتطرف والتشدد بمزيد من الديمقراطية والحريات التي ينظمها القانون، ورغم الظروف التي مرّت بالبلاد إلا أنه لم يتم التنازل يوماً عن الحريات المكفولة دستورياً لشعب البحرين.
الرسالة العاشرة والأخيرة تؤكد أهمية مراجعة تجربة الماضي، وتحديد الناجع منها، وتوظيفها لمستقبل أفضل.
هي رسائل عشر تضمنها الخطاب السياسي لجلالة الملك خلال الأسابيع الأخيرة، لا تحتاج إلى تحليل أكثر، بل تحتاج إلى وعي أكثر نضجاً، ومسؤولية وطنية أكبر.