المشاركة مطلوبة.. شريطة أن تكون مشاركة واعية توصل من يستحق و«تسقط» من لا يستحق ويريد أن يتكسب على حساب الناس


هناك نقطة محورية جداً، على المخلصين من أبناء هذا الوطن الانتباه لها، خاصة أنها تتداخل في حساسيتها مع مشاعر مختلفة لدى الناس تجعلهم يغلبون العاطفة على العقل.
نعلم جميعاً أن هناك شبه إجماع من قبل الناس على سلبية البرلمان من خلال ضعف أداء النواب الذين صوت لهم الناس.
ونعلم جميعاً أنه بعد حراك 12 عاماً داخل المجلس مازال المواطن يعتبر ما تحقق لا يصل لمستوى «الفتات» من جملة مطالبه. ونعلم جميعاً بأن هناك من حسم أمره وأعلن عدم توجهه للصندوق الانتخابي في الاستحقاق القادم، وله من الأسباب والأعذار ما هو مقنع وما هو ذو حجة قوية.
لكن في جانب آخر قد لا يعلم جميعنا بأن هناك حالة من الاستماتة –وإن كانت لم تظهر بوضوح للملأ- من قبل الوفاق لأجل المشاركة في الانتخابات!
دعكم من «الفبركة» الإعلامية والكذب على الملأ الذي تمارسه الجمعية الولائية، فهي تقول لأتباعها وفي تجمعاتها بأنها لن تشارك في الانتخابات، بل وتحلف بالأسلوب المصري «على جثتي» لن أشارك. لكنها تخاطب أسيادها الأمريكان وفي عقر دارهم بخطاب مختلف تماماً، تؤكد لهم رغبتها في المشاركة والعمل مجدداً من داخل البرلمان. وفي دهاليز وكواليس اتصالاتها الداخلية مع أطراف معنية بالنظام (وهي تكذب ذلك وتنفي رغم أنها حقيقة) وفي هذه الدهاليز خطابها محدد بأن أعطونا شيئاً «دخيل الله» حتى ندخل الانتخابات ونشارك. وهذا «الشيء» هو فقط «ذر للرماد» في عيون أتباعها ليقال لهم: ها نحن حققنا ولو شيئاً من هذه الفوضى التي استمرت ثلاث سنوات، ومن محاولة الانقلاب التي تحول شعارها من «إسقاط» إلى «إصلاح»! وطبعاً من سيستفيد لستم أنتم يا أتباع ويا ناس ويا من مات لكم أعزاء، بل عناصر الوفاق التي ستعود للجلوس على كراسي البرلمان وعلى كراسي السيارات النيابية!
وبالتالي هناك اليوم وجهتا نظر بشأن البرلمان وتحديداً بشأن المشاركة في الانتخابات. واحدة (وهي الأصل والأصح) معنية بمزاج الناس العام واستيائهم من هذا الأداء. وفي هذا الجانب هناك سيناريوهان اثنان يمكن أن يتبعا، الأول بمقاطعة الانتخابات وذلك تعبيراً من المواطنين عن اليأس في تحسين وضع عمل السلطة التشريعية، أو الثاني وهو المشاركة بقوة لأجل تغيير خارطة المجلس وإبدال غير الحائزين على رضا الناس بمن يكون أهلا للثقة.
ووجهة النظر الأخرى المعنية بما يطلقون على أنفسهم المعارضة، وتحديدا يتعلق بالوفاق وحدها (فالباقون ليسوا إلا تكملة عدد)، وهي تأخذ مسارين، الأول إما أن يتم تعديل الدوائر الانتخابية لتفصل حسب مقاس الوفاق، ولتحصد من خلالها أغلبية البرلمان، وبعدها تبدأ خطتها لضرب مجلس الشورى وإسقاطه أو تعديل اللائحة البرلمانية بسحب كل الصلاحيات منه. أو المسار الثاني وهو الذي أعلنته بأسلوب «التقية السياسية» على الملأ، بأن الانتخابات ستشهد مقاطعة وفاقية، يوازيها حراك إعلامي (متوقع وهو بدأ أصلاً) بتشويه صورة البرلمان البحريني في الخارج، وبتهميش التجربة البرلمانية البحرينية (التي كانوا جزءاً منها) وبازدراء المجلس النيابي (رغم أنهم مازالوا يعرفون أنفسهم بنواب سابقين)، وهذا مفهوم جداً إذ لم يتبق لهم سوى التحرك والصراخ إعلامياً من القنوات الإيرانية أو التابعة لنفوذ طهران أو الأجنبية التي تبحث عن أخبار مثيرة لا تمدح فيها الأنظمة.
هذا السرد يقودنا لفهم التأثير الذي يحقق وجود برلمان وامتلاك تجربة نيابية. نعم، أساس ذلك خدمة الوطن وأهله وتحقيق تطلعاتهم وآمالهم، لكن في مثل وضعنا الغريب هذا، بات البرلمان أداة لكسر العظم، بين النظام والمنقلبين عليه، ويقع بينهما المواطن الذي يريد لهذا البرلمان أن يعمل لأجله بدلاً من أن ينشغل بهذه الفوضى التي لا تريد لها الوفاق أن تنتهي، لان استمرارها يعني استمرار وجودها.
وبالتالي لو سئلنا عن رأينا في المشاركة النيابية، سنقول إنه من الخطأ عدم المشاركة فقط لأننا انتخبنا فلاناً أو علاناً وخيب أملنا، بل على العكس المشاركة مطلوبة لكن شريطة أن تكون مشاركة واعية توصل من يستحق و«تسقط» من لا يستحق ويريد أن يتكسب على حساب الناس. إن تركتم البرلمان هكذا نتيجة رد فعل واستياء، فمن يتربص بالدولة في كل لحظة وثانية هو أصلاً يعد عدته منذ عام وأكثر لاختطاف هذا البرلمان وتحويله لأداة يضرب فيها الدولة والشعب بعدها.