قبل عام من الآن نشرت صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية، تقريراً صحفياً مستنداً على دراسة إحصائية قام بها معهد (جالوب وين) الأمريكي تنص على «أن عدد الملحدين في إحدى دول الخليج العربي بلغ 5 إلى 8%، ووصفت هذه النتيجة بأنها الأكثر مفاجأة في ذلك التقرير. وقد أجريت هذه الدراسة على 50 ألف شخص في 40 بلداً للحصول على معدلات مبنية على تصنيف «متدينون» أو «غير متدينين» أو «ملحدون عن قناعة». وكانت المفاجأة التي ادعتها الدراسة أن نسبة الملحدين في تلك الدولة الخليجية هي 8% من إجمالي عدد السكان، وهي أعلى دولة إسلامية في نسبة الملحدين بحسب الدراسة».
إن زيادة جرعات الضغط الديني من قبل جماعات الدعوة والتبليغ للشباب العربي يعد أمراً في غاية الخطورة، فهو إما يخلق لنا صفاً متطرفاً إرهابياً من شبابنا المتدين، أو يصنع معسكراً متطرفاً جديداً يحوي بين جنباته ملايين الملحدين، وبهذا تكون الحملات الدعوية للانفتاح على الإسلام، خاصة في أوساط الشباب، تسير بطريقة مقلوبة، مما يعني زيادة حالات الضياع والتيه بدلاً من الإيمان والتسليم.
لا يمكن أن يولد الضغط من طرف جماعات الدعوة وبقية العلماء والخطباء من كافة المذاهب والدول الإسلامية سوى وجود مزيد من الشباب الذين لا يؤمنون بدين أو معتقد، بل ربما يكون الضغط على شبابنا ونحن نعيش في عصر الانفتاح وما بعد العولمة أو ما بعد الحداثة استفزازاً صارخاً لهم، مما يجعلهم يبتعدون عن الدين مهما كانت جمالياته ورقي قيمه.
كلما ضغط الدينيون على الشباب العربي على كافة الصعد، وكلما زادت نسبة «الحرام» وتلاشت نسبة «الحلال» في كل المباني الفقهية، سيزداد خروج الشباب من الدين بطريقة لا تقل تطرفا عن طريقة دعوتهم إليه، وبهذا فإن مجاميع الملحدين اليوم في عالمنا العربي باتت تشكل نسباً كبيرة عما كانت عليه قبل عدة عقود، وذلك بسبب تصدر المشهد الديني في كل مناحي الحياة، سواء كان الأمر يستدعي تدخل الدين أم لم يستدعِ.
ليس سراً ما يقوم به الكثير من شبابنا العربي في تبني الأفكار الإلحادية والمجاهرة بها، بل والدعوة إليها، وليس سراً حين تحاور شاباً عربياً فيقوم بالاستهزاء بكل ما هو ديني أو مقدس، بدءاً من كتاب الله ومروراً بالحجاب وانتهاءً بالصلاة والصوم والحج. وبتأمل بسيط وملاحقة أسباب هذا العزوف عن التدين والدين من طرف الشباب سنجد أن الأساليب التقليدية المتبعة من جهة مراكز الدعوة والتبليغ والحسبة ومعهم غالبية رجال الدين وخطباء المنابر، هي السبب الحقيقي في نفور وهروب الشباب من الدين إلى الإلحاد.
ليس هذا فحسب؛ بل يبدو أن جمود الفكر الديني وعدم تحريك المياه الراكدة فيه، إضافة لعدم الإجابة على الأسئلة الجدلية والتشكيكية فيما يخص المسائل الجوهرية الحديثة من قبل المتصدين للدفاع عن الدين، أوجد فراغاً فكرياً كبيراً بين الشباب، كما خلف السكوت وعدم الإجابة على الأسئلة الحائرة لدى هؤلاء الشباب فرصة مناسبة للبحث عنها في أفكار ومعتقدات أخرى، قد تكون أكثر جرأة وإقداماً من أفكار دعاة الدين الإسلامي، إضافة إلى أن الكثير من المتصدين لأمور الشريعة لم يستطيعوا تفنيد وتسخيف الكثير من الخرافات والأساطير الدينية التي امتلأت بها بطون الكتب الفقهية والتاريخية، خصوصاً مع زخم موجة الأفكار الحديثة والعلم الحديث والحداثة وما بعدها.
ليس هذا وانتهى الأمر، بل يبدو أن السلوك المتطرف والوحشي الذي تقوم به الجماعات الإسلامية الراديكالية في طول العالم الإسلامي وعرضه، أعطى دفعة قوية للشباب كي يؤمنوا بمعتقدات أخرى، ربما تبدو أقل وحشية وأكثر سلاماً وأمناً من دين يؤمن بإراقة الدماء أكثر مما يحفظها، ولعلهم يؤمنون بإلحاد لا يؤمن على الإطلاق بقطع الأعناق وسحل الأجساد وفقء العيون وتفجير الأبرياء لمجرد وجود اختلافات في الرأي والعقيدة.
لو ظل الوضع على ما هو عليه اليوم، فإن نسبة الإلحاد سوف تتضاعف، وسوف تتضاعف معه موجة التطرف الديني، وذلك بفعل سلوكيات دعاة وعلماء دين لا يعيشون العصر، بل يعيشون داخل التاريخ بكل تفاصيله المربكة للفكر والثقافة والوعي الإنساني، وبهذا سوف تهبط أسهم الإسلام الوسطي، ليحل محله الإسلام الدموي أو الإلحاد الدولي، إنه التبشير «الخاطئ» للدين «الصح».