منذ فترة بسيطة أصبحت أسمع وبكثرة عبارة «إي - وأنا شو ناقصني!»، للوهلة الأولى اعتقدت أن من يتفوه بها بأنه يقصد معناها الصريح وسيعدد الاحتياجات التي ينظر إليها، ولكن بعد السرد الواضح فقد تبين لي ما هو المقصود.
صحيح أننا نعيش في بلد يتمتع بالديمقراطية، وأهلها يختارون أسلوب الحياة الذي يستهويهم، لكن لاشك أن لهذه الديمقراطية ضوابط وقوانين كي لا ننتهج حياة الانحلال والانفلات وفي المقابل لا نحيا حياة الغاب، فالكل لديه الأحقية أن يختار ويقوم بما يريد ومتى يريد وينفذ ما يريد، ولكن عندما يكون هذا المراد لا يتوافق مع تطلعاتي المستقبلية على هذه الأرض الطيبة فهنا لابد أن يكون جوابي لهؤلاء؛ حقيقة ينقصكم الكثير والكثير، لأننا نريد ممن يمثلنا في هذا الصرح السياسي الكريم أناس يعون ما يتكلمون وقادرون على أخذ القرار الصائب والرشيد وفي الوقت المناسب والصحيح.
الأغلبية يعي أننا لسنا بعيدين عن الانتخابات البرلمانية الجديدة، والتي تنتظر بمرشحيها بلهفة وشوق خلف الباب، وحقيقة أن الأمر لا يحتمل كثرة المجاملات؛ فهذا المترشح الذي ينوي أن يمثلني في مجلس النواب ويتكلم باسمي على المستوى المحلي، وأحياناً الدولي، هل يدرك بأن أي تصرف إيجابياً أو سلبياً هو حقيقة يتكلم باسم هذا الشعب ويعكس صورة حضارية إن كان عالماً ويعكس مشهداً مأساوياً إن كان جاهلاً.
فليس المقياس للمرشح أن يكون ذا عائلة وحسب ونسب، فهذا لن يضيف شيئاً، وليس فقط أن يكون خريجاً من أحسن الجامعات ويحمل أكبر الشهادات، فعلمه لا يعني أنه يمتلك الحس الثقافي، والثقافة والتحدث والمجاهرة ليست هي وحدها الأساس والدافع الذي سيحركني وعليه سيقع الاختيار.
إضافة لهذا كله لابد أن يمتلك المعرفة والثقافة السياسية، وأن يكون لكل مرشحٍ «برنامجه السياسي»، حقيقة ما يثير الأمر صدمة أن كثيرين لا يعون ماذا يعنى «بالبرنامج السياسي»، ويعتبرون أن العمل الاجتماعي أو التطوعي والزيارات الميدانية والمطالبة برصف شارع أو تصليح إنارة رصيف تعني «برنامجه السياسي».
فأخي وصديقي وابن الجيران وزميلي أيام الدراسة ومن قاسمني فرحتي وزارني في أيام مرضي وقدم لي هدية يوم زفافي.. هذه كلها ليست أسباباً ودوافع ومقياساً حقيقياً كي أتحرك من مكاني وأذهب أيام الاقتراع لكي انتخب كلاً من المرشح فلان أو علان، فأنا أريد المترشح أن يعي بأهمية الدور الذي سيلعبه، فالموضوع أكبر من كونه مجاملات عائلية أو اجتماعية أو كونها حوافز وعلاوات وتذاكر سفر ورحلات عمل هنا وهناك والتصريحات في الصحف والمجلات، لأن الأمر فيه «مستقبل بلد»، ومستقبل أبنائنا ليست «طائرة ورقية» نتركها لكي تحركها كما تشتهيه أهواؤنا.
وهنا أناشد الأشخاص العقلاء الذين يجدون في أنفسهم، إضافة إلى كل ما تم ذكره من الكفاءة العلمية والفكرية والثقافية أيضاً المعرفة السياسية، ألا يترددوا بترشيح أنفسهم، لأن البلد تنتظر دعمهم. وممن يمكنهم أن يرفعوا الشأن السياسي للبلد بألا يترددوا بالترشيح، فنحن لا نريد أن يكون المجلس النيابي الجديد كشبيهه الذي مضى. وكي لا أظلم أحداً فالمجلس الموقر كان يحوي مجموعة من النواب التي يشهد لها بمواقفها السياسية القيمة والمدروسة، والتي تتمتع بالحكمة المبنية على المعرفة وليست على المحسوبية المجردة من أي منطقية.
وفي الختام رحم الله من قال عندما كتب لابنه «رحم الله امرئ عرف قدر نفسه».