وصلت المسألة الفلسطينية اليوم إلى طريق شائك وصعب وغير إنساني، إذ لا يمكن السكوت عما يجري بأي حال من الأحوال، بل لا يمكن غض الطرف عن كل الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق أحبتنا في فلسطين، لكن يبدو أن العرب هم آخر من يعلم، كما هو حالهم في مسائل النمو والتقدم والتطور والعلم.
إن الصمت الدولي تجاه غزة لا يمكن تبريره هذه المرة، خصوصاً مع انتشار الصورة التي وثقت كل الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين، كما إن وسائل الإعلام العالمية أدركت جيداً حجم الفظائع التي ترتكب في غزة، فقامت بتغطية المعركة غير العادلة بين العزل من الفلسطينيين وبين الصهاينة المدججين بالطائرات والدبابات والصواريخ، حتى انتهى بها المطاف أن رمت الكرة في ملعب الدول والأمم المتحدة، ولم تلتفت سوى ثلاث دول لاتينية إلى ما تقوم به إسرائيل، فقامت باتخاذ الموقف الأخلاقي، كأضعف الإيمان، والذي يجب أن يتخذه العرب على أرض الواقع قبل بقية الدول منذ زمن النكبة.
بغض النظر عن الحالة الإنسانية المرعبة التي يتعرض لها أهالي غزة الأبرياء، والتي تعتبر «إبادة جماعية» مقصودة، فهناك هدف صهيوني غير معلن يستتر خلف كل هذه الجرائم الموغلة في الوحشية، ألا وهو إلهاء الفلسطينيين عن المطالبة بحقوقهم المشروعة والعادلة، وحتى ينشغل معهم كل العالم بأن ما يجري في فلسطين هو انتهاك لحقوق الإنسان لا غير، حتى تتعالى الأصوات برفع الحصار عن غزة، وتقديم يد العون لهم، ومن ثم إعمارها، وبالتالي تضيع القضية الفلسطينية الحقة التي ناضل لأجلها كل أحرار فلسطين لما يربو على الـ 65 عاماً، والتركيز فقط على الجانب الإنساني على الرغم من أهميته وتوازيه مع المطالب السياسية العادلة، فكان للصهيونية ما أرادت.
يجب على الفلسطيني أن ينتبه لهذا الأمر تماماً، وأن يدرك أن هذه الحرب التي تفرض عليه فرضاً ما هي إلا ملهاة لواقع لا تريد الصهيونية العالمية له أن يظهر أمام العالم، فالانشغال بأجساد الأطفال التي فجرتها آلات العدو البربرية، ومن ثم الالتهاء ببناء المنازل التي دمرت جراء القصف الصهيوني الغاشم يصرفك أيها الفلسطيني، ويصرف معك كل أنظار العالم، عن المطالبة بحقك المشروع في الأرض وحق العودة، وبالفعل استطاعت إسرائيل ومعها كل الدول المشاركة في سفك الدم الفلسطيني حرف الأنظار عن كل المطالب المشروعة للشعب البطل، ومن هنا يجب أن يقاوم الفلسطينيون «خصوصاً السياسيين منهـــم»، كل الأهداف السياسية التي تدعو لضرب القضية، وعدم إعطائهم الفرصة لذلك الإلهاء المقصود، في سبيل الحفاظ على مشروعية المطالب التي ناضل وضحى وهاجر لأجلها ملايين الفلسطينيين عبر عقود مريرة من الزمن.
نحن نحترم الضحايا ونقدس دماءهم الزاكية، ونحترق ألف مرة ومرة لأطفال غزة، ومع ذلك فهؤلاء القرابين لم يرحلوا من هذه الدنيا بطريقة وحشية إلا من أجل ترسيخ قيم العدالة الأبدية للقضية الفلسطينية، وما دون ذلك فإننا لا نعتبر ما يجري من مفاوضات باردة وجبانة مع العدو الصهيوني إلا بيعاً للقضية بكل آلامها وتطلعاتها، وهذه من أعظم الخيانات العظمى للشعب الفلسطيني العملاق.
رحم الله شهداء غزة الأبطال، ونصر الله المقاومين والمناضلين منهم، والنصر حليف العدالة والحق، وعاشت فلسطين حرة أبية عصية على فهم الجبناء والعملاء.