تمكن باحثون ألمان من تطوير تقنية ليزر جديدة تسمح بتقطيع الزجاج والمعدن والبلاستيك بشكل لم يكن متاحا من قبل.
ومن شأن هذا الاختراع الذي فاز بجائزة المستقبل الألمانية أن يحدث ثورة في مجالات الصناعة والطب.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها اليوم الخميس الليزر هو عبارة عن أشعة ضوء تُستخدم عادة في التقطيع والتذويب واللحام. وقد تمكن فريق من الباحثين الألمان في تطوير تقنية ليزر جديدة تعمل بنبضات قصيرة، يتوقع أن تحدث ثورة في عالم الإنتاج الصناعي. وقد فاز فريق البحث بجائزة المستقبل الألمانية التي تعد بمثابة "أوسكار الابتكارات" في ألمانيا.
وتستخدم شركة بوش تقنية الليزر الجديدة في صناعة حواقن محركات السيارات. وهي الشركة الوحيدة في العالم المتخصصة في هذا المجال. لذلك لا تكاد توجد شركة سيارات في أوروبا أو آسيا أو أمريكا لا تستخدم حواقن شركة بوش. ويوضح المهندس والفيزيائي في شركة بوش دور هذه الحواقن قائلا: "الهدف منها هو ضخ الوقود بشكل دقيق في المحرك".
وهو ما يسمح بتوفير قرابة 20 بالمائة من الوقود.
وتتيح هذه التقنية أيضا للشركات إمكانية صناعة محركات صغيرة، لكن بأداء عال واستهلاك أقل في الوقود.
وتسمح الثقب الدقيقة بمرور البنزين إلى المحرك حتى في ضغط يبلغ ألف بار.
الأمر الذي من شأنه الحيلولة دون حدوث انبعاثات سامة أو سخام (السناج) ذلك أن عملية إحراق الوقود تتم بشكل نظيف.
وقد قامت شركة ترومبف في مدينة ديتزينغين، جنوبي ألمانيا، بتطوير هذا الجهاز الفريد من نوعه، فأشعة الليزر الجديد يمكنها على سبيل المثال أن تنقش خريطة العالم بأكملها على شكل لا يتعدى حجمه رأس إبرة.
كما تتميز هذه التقنية بالدقة إلى درجة أنه يمكن عبر المجهر رؤية جزيرة سردينيا الإيطالية بشكل واضح.
تقنية ذات دقة عالية جدا
وتضمن تقنية الليزر دقة عالية في عملية حفر الثقوب الصغيرة جدا. ويوضح شتيفان نولته، أستاذ الفيزياء في جامعة يينا الألمانية، ذلك قائلا: "عندما أشغل الليزر لمدة ثانية واحدة تتشكل أشعة تمتد من الأرض إلى القمر. لكن إذا تم تشغيل هذه الأشعة لأجزاء صغيرة من الثانية، فإن امتداد ضوئها لا يتعدى ميليمترين".
ويضيف البروفسور نولته قائلا: "يعني هذا بأننا لم نعد نستخدم أشعة الليزر المعروفة وإنما فقط شرائح ضوء رقيقة جداً". وتوجد هذه الشرائح داخل جهاز الليزر نفسه وتتركز كل طاقته في نبضة قصيرة. "يعني ذلك أن نبضة الليزر يمكن أن تمنحنا أداء عاليا يمتد إلى مئات ميغاوات، بل قد يصل إلى غيغاوات".
وعندما توضع شرائح الضوء المشحونة على جزء من قطعة معدنية، فإن درجة حرارة هذا الجزء تصل لوقت وجيز إلى 6000 درجة مئوية. ومن خلال ذلك يتبخر هذا الجزء من القطعة المعدنية بشكل سريع جدا. ويتكرر ذلك حتى مليون مرة في الثانية. ويتم ذلك بشكل سريع وبنبضات قصيرة، ممّا يحول دون ارتفاع درجة حرارة القطعة المعدنية وحتى لا تتعرض الأجزاء الأخرى للذوبان والتشوهات.
لكن كيف يقوم الليزر بإطلاق هذه النبضات القصيرة والمملوءة بالطاقة؟ السر في ذلك يكمن في وجود نظام وصل على شكل موجات متذبذبة. وهي عبارة عن مواد تستطيع بفضل بنيتها الجُزَيئية التقاط ضوء الليزر وكأنها تخزنه بين مرآتين قبل أن تطلقه دفعة واحدة.
مجالات استخدام غير محدودة
ولا تقتصر فوائد تقنية الليزر الجديدة على صناعة محركات سيارات موفرة للوقود فقط، بل يمكن استخدامه أيضا في صناعة فوهات محركات ديزل أو في صناعة وقود أجهزة التدفئة. كما أن الكثير من الشركات المصنعة للهواتف الذكية بدأت تستخدم هذه التقنية في تقطيع زجاج شاشات الهواتف.
وقد بدأت تقنية الليزر الجديدة تجد مكانا لها أيضا في عالم الالكترونيات، حيث تستخدم في تقطيع الشرائح لدوائر صغيرة جدا من أجل تركيب أجهزة صغيرة عليها. ويقول الفائزون بجائزة المستقبل الألمانية بأن لديهم أفكار بتوسيع مجال استخدام الليزر ليشمل الطب أيضاً.
ويمكن للتقنية الجديدة كذلك تقطيع الدعامات، وهي عبارة عن أنبوبة اصطناعية صغيرة جداً تحمي الأوعية الدموية من الانسداد. وتكمن ميزة هذه الدعامة في أنها مصنوعة من البلاستيك. وكما يقول المتحدث باسم فريق الأبحاث في شركة ترومبف، ديرك كونيغ، فإنه يتم ضخ الأدوية في هذا الدعامة، وبعد زراعتها في الجسم تقوم المادة البلاستيكية بإفراز الدواء المجود فيها بشكل تدريجي، وهو ما يساعد على العلاج. ويضيف كونيغ "بدون نبضات الليزر القصيرة، لا يمكننا تقطيع هذه الدعامات البلاستيكية الحساسة".
وبالرغم من النجاح الذي أثبتته تقنيات الليزر الجديدة، إلاّ أن استخدامها في المجال الصناعي لا يزال في بدايته. لكن عضو مجلس إدارة ترومبف، بتير لايبنغر، واثق من إمكانية دخول هذه التقنية إلى عالم الصناعة، بحيث يقول: "نحن نعتقد بأن هذه التقنية قادرة على أن تحل محل الكثير من التقنيات الصناعية الأخرى". ويقول لايبنغر إن لديه تصور يكمن في إنشاء شركات تتمكن من إنتاج الكثير من القطع الصناعية في وقت وجيز وبجودة عالية جدا. ويطلق عليها "الشركة الرقمية".
ويعني هذا أن كل ما يتم إنتاجه، يتم إعداده في البداية على شكل ملفات الكترونية مخزنة في الكمبيوتر، بعدها تقوم أشعة الليزر ذات النبضات القصيرة بإنتاج أشياء مختلفة، مثل المواد الاستهلاكية وقطاع الغيار وغيرها. وتتم عملية الإنتاج بشكل نظيف وصديق للبيئة. ويختم لايبينغر حديثه بالقول" أعتقد أن هذا التصور جيد جداً، لذلك نستحق جائزة المستقبل الألمانية".