في العام 2003 أصدرت مؤسسة راند البحثية الأمريكية دراسة مهمة كان عنوانها «الإسلام المدني الديمقراطي.. الشركاء، المصادر، والاستراتيجيات» من إعداد الباحثة تشيرل بينارد، وفي هذه الدراسة عرّفت الباحثة أربعة أنواع من المسلمين طبقاً للقناعات والوظائف، وهي: ـ الأصوليون: يرفضون القيم الديمقراطية والثقافة الغربية المعاصرة. ويتطلعون لدولة سلطوية متزمتة يمكن من خلالها تطبيق الشريعة الإسلامية، ولديهم في الوقت نفسه استعداد لتطبيق التكنولوجيا الحديثة لتحقيق أهدافهم.ـ التقليديون: يريدون مجتمعات محافظة، ولديهم ارتياب من الحداثة والابتكار والتغيير.ـ الحداثيون: يتطلعون لأن يكون العالم الإسلامي جزءاً من الحداثة العالمية، ويرغبون بالتحديث وإصلاح الإسلام ليتماشى مع العصر.ـ العلمانيون: يرغبون في اعتماد الفصل الغربي القائم بين الكنيسة والدولة على غرار الديمقراطيات الصناعية الغربية، وقصر الدين على الأفراد باعتباره من الشؤون الخاصة.كانت هذه التعريفات صادمة للكثير من العرب والمسلمين الذين اطلعوا على هذه الدراسة، ومن الواضح أنها تأثرت بأجواء ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، ومع ذلك واصلت هذه المؤسسة البحثية التي تتداخل في المصالح مع وزارة الدفاع الأمريكية دراساتها، فأصدرت في العام 2005 دراسة أخرى بعنوان «الإسلام المعتدل والإسلام الراديكالي»، وفي العام 2007 أصدرت أيضاً دراسة أخرى بعنوان «بناء الشبكات الإسلامية المعتدلة».كان لافتاً أن الدراسات حتى العام 2007 دراسات نظرية وتحليلية، ولكنها اعتباراً من العام 2008 تحولت إلى دراسات تضع تصورات ورؤى للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث ظهرت في ذلك العام الدراسة المتخصصة حول حركة كفاية المصرية التي ظهرت قبل ثورة 2011، وكان الهدف من الدراسة بحث جدوى حركات التغيير الشعبية، وهي دراسة مهمة لأنها مثلت انطلاقاً لحركات التغيير الإسلامية التي اندلعت في الوطن العربي لاحقاً بحروب اللاعنف. وفي العام 2010 أصدرت راند دراسة حول كيفية إنهاء راديكالية الإسلاميين المتطرفين، وعندما وصل الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في مصر أصدرت المؤسسة نفسها دراسة جديدة في العام 2012 كان الهدف منها كيفية ضمان انخراط الإخوان المسلمين مع السياسة الأمريكية.هذه مجرد نماذج بسيطة تبين مدى اهتمام مراكز الأبحاث الأمريكية بالجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط، وكيفية التعويل عليها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر للمساهمة في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، وهو ما كان جلياً في السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة الماضية. رغم الاهتمام الأمريكي والغربي، إلا أنه من الواضح أن المشروع الأمريكي بدعم الجماعات الإسلامية حقق فشلاً ذريعاً، وقد تكون الحالتان المصرية والبحرينية أبرز الأمثلة على ذلك، ففي القاهرة تم دعم الإخوان المسلمين، وأسقط الشعب هذه المحاولة، وفي المنامة تم دعم أنصار ولاية الفقيه، وأسقط الشعب هذه المحاولة. لذلك يمثل فوز المشير السيسي في الانتخابات الرئاسية المصرية مرحلة تراجع نفوذ الجماعات الإسلامية المختلفة في الوطن العربي، ولكن هناك مخاوف اليوم من الفراغ الذي سيسببه هذا الفراغ خلال الفترة المقبلة. واللافت هنا أن القوى السياسية العربية التقليدية الأخرى مازالت ضعيفة بالإرث التاريخي الذي تحمله، ولذلك يبقى السؤال؛ من هي القوى التي يمكن أن تملأ الفراغ السياسي الكبير في الوطن العربي؟القوى السياسية التي ظهرت منذ بداية القرن العشرين، وحتى بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لا يمكنها أن تتولى هذه المهمة، والواقع يفرض إيجاد قوى سياسية جديدة لديها القدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ولكن من الواضح أن هذا الوضع المثالي من الصعب تحقيقه سريعاً في ظل بيئة عدم الاستقرار، بل ستظهر المواجهة بين قوى سياسية شابة تتطلع لدور مستقبلي من جهة، وبين قوى سياسية متطرفة راديكالية تتبنى الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها.