بخصوص أن البناء العشوائي كان السبب في حريق سوق المحرق، «طيب» هذه أبنية قديمة ماذا عن عشوائيات المناطق الجديدة؟ ماذا عن الحرائق في الأسواق الجديدة؟
مؤسف أن يكون يؤول الوضع في البلدية في البحرين -تلك المؤسسة التي أنشئت أول مرة عام 1917 ميلادية، أي قبل مائة عام وهي الأقدم في المنطقة كلها- إلى ما آل إليه، أيام زمان كان أهل الخليج يقولون إن شوارع البحرين من ذهب لشدة نظافتها وحسن ترتيبها وتنظيم تخطيطها، واليوم تنتشر الحرائق والمخلفات وينخفض مستوى النظافة وليس هناك مستثمر يثق بالتزام البحرين كدولة بالتخطيط الهيكلي، عدا أن الجماليات اختفت من واجهات مبانينا وشوارعنا، ألوان كئيبة ومواد جامدة جالبة للاكتئاب، مؤسف أن تنتشر المخالفات في البناء وفي استخداماته إلى هذا الحد الذي اعتادت عينك أن تراه ولا تملك إلا أن تعتاده لكثرته.
العشوائيات في البناء والعشوائيات في استخدامات المباني لم تعرفها البحرين إلا في العقود الأخيرة، بل إن البناء القديم كان أحرص ما يكون على التنظيم والتناسق، انظروا الصور القديمة كيف كانت فيها مراعاة لكل العناصر، تأخذ في الاعتبار اتجاه الرياح واتجاه الشمس، إنما الآن العشوائيات من مخالفات البناء والإيجار أصبحت هي القاعدة والالتزام بالتخطيط الهيكلي أصبح هو الاستثناء.
قبل أيام اشتكت لي سيدة من مخالفات قانونية تجري أمام بيتها من «متنفذين» يتحدون قرارات المجلس البلدي ويتحدون القانون ويتحدون الدعاوى المرفوعة عليهم في النيابة ويخالفون قرار الإيجارات ويحتلون مواقع سكنية لا يجوز أن يكون بها مبانٍ للاستخدامات العامة، أجبتها عادي يا أختي.. المنطقة التي أقطن بها مفروض أنها سكنية «A zon» بمعنى أنه لا يسمح أن يبنى أو يؤجر أو يستخدم أي مبنى فيها إلا للأغراض السكينة وشروطها كما ذكرت، إنما يا سيدتي في هذا المربع السكني «أبو زون ايه» يوجد روضة أطفال واتحاد عمال وجمعية سياسية وشركة استيراد وتصدير وصالون نسائي في مربع سكني واحد فقط «بلوك»، ويوم الجمعة يحوّل العمال الآسيويون الأرض المقابلة للمسجد إلى سوق لجامعي القمامة يبيعون فيها كل ما يخطر على بالكِ، ولكِ أن تتخيلي المنظر، وبها مشكلة تكاثر الحمام بالمئات الذي يترك مخلفاته على كل أسطح المنازل والأفنية بما فيها فناء حضانة الأطفال، ماذا بقي من الـ»زون ايه» يا سيدتي؟ وماذا بقي من نظافة؟ كل مبنى من تلك المباني في هذا المجمع مرت تراخيص استخدامه على أكثر من وزارة، وكل تلك الوزارات كان لابد أن تعاين المكان على الواقع قبل منح الترخيص ومع ذلك جميع تلك الوزارات منحت تلك المباني التراخيص اللازمة!! بما فيها الكهرباء والبلدية والتجارة والتنمية والعدل والعمل و..و «حسب نوع النشاط» ولاحظي أن كل تلك الأنشطة غير مسموح بمزاولتها في المناطق السكنية ومع ذلك ها هي موجودة على أرض الواقع ونافذة مدير البلدية تطل عليها مباشرة ويستطيع أن يرى مخالفاتها وهو ينظف أسنانه بالمسواك، لكن لا حياة لمن تنادي، يستطيع أي مدير أو مسؤول التغاضي عن مسؤولياته، لأن في البحرين الشعار من سيحاسب؟ من سيعاقب؟ أسمعتِ عن مسؤول أقيل من منصبه لتقصيره في أداء واجبه؟
أجابتني السيدة فما بالكِ إذاً كانت إحدى تلك الجهات المخالفة في منطقتي هي وزارة حكومية؟ أمام باب بيتي مركز اجتماعي تابع لوزارة التنمية ومشغل وسكن للعمال، ومنطقتنا أيضاً هي «زون ايه» والبلدية عاجزة عن إنفاذ القانون وإجبار الجهتين على إخلاء المبنيين، وطُلب من وزارة التنمية إخلاء المبنى، والوزارة تقول لن أتحرك من مكاني!! وحجة التنمية أن المتضرر شخص وأن المبنى يقدم خدمة اجتماعية للعديد من الناس وليس «بار»! هل معنى ذلك أنه يحق لأي جهة أن تقيم سوقاً خيرياً دائماً عند باب بيت وزيرة التنمية، ولا يحق للوزيرة أن تتذمر ما دام من يغلق عليها بابها هو «مشروع خيري»؟! وهل الحق للأفراد يقاس بالعدد؟
السؤال كيف أُعطيت التراخيص لجميع مخالفات البناء والتأجير في البحرين؟ وكيف وصلت الكهرباء لاستخدامات مخالفة، الخدمات تصل إلى العديد من المباني بشق الأنفس بعد سلسلة طويلة من الإجراءات والموافقات من عدة جهات، ولهذا السبب هرب العديد من المستثمرين بسبب تعقيداتها، فكيف منحت «سهالات» للاستخـــدامات المخـــالفــة؟! الســؤال: أي متنفذ منح هذه التراخيص المخالفة؟ أي فساد تسرب إلى التخطيط والبلدية وربما الكهرباء وربما وزارات أخرى لها علاقة بهذه التراخيص؟ من هي الجهة التي ستتحمل مسؤولية هذه الفوضى؟
ثم اجمع مظاهر الفوضى الخلاقة في العشوائيات التي حفلت بها مناطق البحرين وفي مناطق جديدة وليست قديمة + المخالفات التي على مد البصر للتخطيط الهيكلي ثم اجمعها مع منظر ثلاث حرائق حدثت في زمن قياسي لـ3 أسواق شعبية، كل واحد منها كبد خسائر بالملايين، لتأتي الإجابة أنه حتماً هناك انعدام إحساس بالمسؤولية، انعدام متابعة، انعدام تنسيق، والوزارات جزر معزولة عن بعضها بعضاً + فساد ورشاوى سمحت لتلك المخالفات أن تحدث، إنما هل سمعت عن إعفاء وزير في حياتك في البحرين؟
السعودية أقالت وزراء وليس عندهم نواب وسلطة رقابية، الإمارات أقالت وزراء وليس عندهم نواب وسلطة رقابية، عمان أقالت وزراء بل قدمتهم للمحاكمة وأدينوا وصدر عليهم حكم بالسجن وليس عندهم سلطة رقابية، عندنا في البحرين 80 وزيراً لم نسمع عن معاقبة واحد منهم «عن العين والنفس»، فبعض الوزراء البحرينيين أمنوا العقاب فأساؤوا العمل!!