لفتتني تغريدة منسوبة لنبيل رجب نشرت قبل يومين في التويتر يقول فيها «الطلب مني المساعدة بتهدئة الناس والشارع من التظاهرات السلمية في هذا الوضع الظالم هو طلب غبي لا يحترم صاحبه تطلعات شعبنا».
تابعت كل ما نشر في الأيام الأخيرة من مقالات وتصريحات وتغريدات ذات علاقة بالشأن المحلي فلم أجد طلباً كهذا، لم أجد من يدعو نبيل رجب إلى تهدئة الناس والشارع من التظاهرات السلمية، فلا أحد يدعو إلى هذا الأمر لسبب بسيط؛ هو أن الجميع يؤمن بأن التظاهر حق يؤكده الدستور وينظمه القانون، والتظاهرات «السلمية» لا أحد يمنعها ولا أحد يقف ضدها وفي طريقها (المظاهرة السلمية هي تلك التي تتم وفق القانون وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في السلطة وتبدأ سلمية وتنتهي سلمية، لا يرفع فيها حجر ولا قنابل مولوتوف ولا تتضمن شتائم وإساءات لأحد).
أبداً لا أحد من الكتاب والصحافيين يقول ولا سبق أن قال أو طلب من أحد المساعدة في وقف التظاهرات ومنع الناس من التعبير بسلمية عن مطالبهم وتطلعاتهم. الوحيد الذي قال شيئاً ذا علاقة بهذا الأمر هو كاتب هذا المقال، حيث «تمنيت» على رجب أن يفعل شيئاً يوقف به «السلوكيات الخاطئة» التي يمارسها البعض المحسوب على «المعارضة» و«الثورة» يومياً، والمتمثلة في اختطاف الشوارع وإضرام النار في إطارات السيارات وتعطيل حياة الناس وتعريضهم وعيالهم للخطر لو كانت له دالة على من يمارس هذه السلوكيات، وقلت إنها تسيء إلى «المعارضة» وإلى «الحركة» وإلى «التطلعات»، وأعتقد أنه ما من عاقل إلا ويقول إن هذه السلوكيات خطأ بل خطأ كبير لأن المتضرر الأكبر منه هم الناس الذين ليس بيدهم تحقيق تلك «التطلعات».
أنا الوحيد الذي «تمنيت» عليه هذا ثم في مقال آخر «تحديت»، تحديته وتحديت كل «قادة المعارضة» أن يتجرؤوا ويغامروا بمثل هذا الأمر وقلت إنهم لن يفعلوا هذا لأنهم يدركون أن «الشارع» لن يستجيب لهم وسيركنهم وسيلغيهم. وهذه للأسف حقيقة لا أحد يستطيع أن ينكرها، لأن الشارع يريد من يعزف له اللحن الذي يطربه فقط.
للمعلومة أيضاً فإن أحداً لا يقول إنه ليس للمواطنين مطالب بما في ذلك الحكومة نفسها، فالجميع يدرك هذه المطالب والجميع يعرف أن بعضها على الأقل حق وأن على الدولة أن تستجيب لها لهذا السبب. الخلاف ليس في هذا، الخلاف في طريقة المطالبة. لا يمكن أن أحصل على حقي وأنا أسب وأشتم وأصرخ وأتطاول.. وأرمي زجاجات المولوتوف الحارقة القاتلة. لا يمكن أن أحصل على حقي وأنا أمارس كل هذه السلوكيات التي لا ينتج عنها سوى الأذى وتسيء إلى من لا حول لهم ولا قوة من مستخدمي الشوارع، والذين يجدون أنفسهم والمصاحبين لهم في سياراتهم أسرى فعل «غبي». لا يمكن أن أحصل على حقي وأنا أتحرك معتقداً أنني الوحيد الذي له حق والوحيد الذي يحق له فعل أي شيء ليحصل على هذا الحق.
لم يطلب أحد من نبيل رجب تهدئة الناس والشارع من التظاهرات السلمية. الطلب كان واضحاً ومحدداً وهو العمل على إقناع من يسهل إطلاق لفظة مخربين وإرهابيين عليهم من ممارسة تلك التجاوزات المتمثلة في اختطاف الشوارع والتسبب في أذى الناس، لأنها تسيء إلى «الحراك الثوري» أولاً ولأنها اعتداء على حريات وحقوق الآخرين ثانياً وعاشراً.
أما استعمال لفظة «غبي» ووصف مثل هذا الطلب به واتهام صاحبه بأنه لا يحترم تطلعات «شعبنا»، فأمر مستغرب، ذلك أن هذه الألفاظ لا يمكن أن تخرج ممن يطرحون أنفسهم «قادة للجماهير». على الأقل لم يصدر مثل هذا اللفظ عن نيلسون مانديلا!