إن كانت موازنة «الميبي» موجهة لدعم «الديمقراطية» حقاً، فقد ضاعت تلك الموازنة هباء.
فقد استفاد منها من لا علاقة له ثقافة وفكراً وتربية ونهجاً وممارسة بأي سلوك ديمقراطي، وضاعت الفلوس وبلعتها «الحوتة»، حين صرفت على من يحمل جينات التعصب وعقد الاضطهاد وله أفق طائفي ضيق كجماعة الولي الفقيه.
أما إن كانت موجهة لتمكين جماعة محددة من الحكم، فقد نجح المشروع في وضع تلك الجماعة على سدة الحكم، لكن مع الأسف فشلت هذه الجماعة في الاحتفاظ به كمكسب تاريخي خططت له لأكثر من ثلاثين عاماً، وفي كلتا الحالتين ضاعت الفلوس الأمريكية يا صابر!!
كان على وزارة الخارجية الأمريكية وإدارة الحزبين «الجمهوري والديمقراطي» قبل أن يصرفوا تلك المليارات أن يجهدوا في جمع معلومات دقيقة للجهات التي ستستفيد منها، هل ستكون تلك الجهات تلميذاً نجيباً لمثل وقيم الديمقراطية، أم أن التعليم فيها خسارة؟
خذوا على سبيل المثال صرفتم بعضاً من برامجكم على إحدى الصحف البحرينية وهي صحيفة الوسط ورئيس تحريرها من الشخصيات الذين تعاونوا مع «الميبي» وحتماً تلقى تدريبات خاصة بمهنية الإعلام والمقروء منه على وجه التحديد، إذ يستحيل أن تكون الدورات التي تلقاها كانت معنية بالأزياء مثلاً؟!! وبما أن البرامج التي وضعتها «ميبي» هي برامج «لدعم الديمقراطية» فإنها في ما يتعلق بالإعلام وجهت لجعل المتدرب مؤسسة كانت أو فرداً، رافداً من روافد المنهجية الديمقراطية في التفكير وفي التدبير، في الخطاب وفي الممارسة.
ومثله تلقت جمعية الوفاق ومثله تلقى الفرع العراقي لجماعة الولي الفقيه في العراق تدريبات وتمرينات وندوات وورش عمل صرفت عليها المليارات من المعهدين الديمقراطي والجمهوري وأمهم «الميبي» لجعلهم مؤسسات وأفراداً ديمقراطيين في أدائهم لمهامهم، فماذا كانت النتيجة؟!!
انظر -على سبيل المثال لا الحصر- التعاطي الإعلامي لصحيفة تدربت على يدكم على المهنية، لأحداث العراق الأخيرة، فلم تحمل الصحيفة حكومة المالكي ولو جزءاً يسيراً من مسؤولية ما حدث مع أن الصحف الأمريكية حملته كل المسؤولية وأدانته كل حكومات وصحف العالم، وجميعهم يضعون المسؤولية أو جزءاً منها على المالكي وحكومته، إلا الصحيفة التي دربتموها على «المهنية والحيادية والمصداقية والتحليل الموضوعي» فهي ولأسباب «تجهلونها أنتم ونعلمها نحن» ترى الدنيا كلها خطأ والمالكي «صح»، وترى ألف سبب وسبب لأحداث العراق ليس منها المالكي ولا لجزء من ألف!! مستحيل بل من رابع المستحيلات أن يتمكن من يحمل عقدة الاضطهاد أن ينتقد ذاته.
سؤال لـ»الميبي» ألم تضعوا ضمن ورش التدريب أو ندواتها أو خلواتها أو برامجها برنامجاً للنقد الذاتي؟! ألم تكن هناك دروس للموضوعية؟ ألم يكن هناك ضمن البرامج العديدة، برنامج واحد منها مخصص لغسيل المعدة من براثن التعصب الأعمى؟
هذا المثال الذي طرحناه جزء من منهجية طائفية حتى النخاع تعاني منها تلك الجماعة ولا تنفع كل مليارات «ميبي» في تغيير مفاهيمها، جماعة ترى نفسها هي الفرقة الناجية وكل ما يأتي من طرفها طاهر، برئ، شريف، لا يرتكب الأخطاء، معصوم، ولا يقر بنقص، أين منها المثل والقيم الديمقراطية، هذا مثال بسيط، صورة مصغرة وبقية الصورة تمتد إلى أصحاب العمائم من تلك الجماعة من إيران إلى العراق إلى لبنان إلى البحرين يقودون تلك الجماعة للهاوية، عمائم دعمتهم أمريكا للوصول لسدة الحكم باعتبارهم دعاة للمدنية والليبرالية ودعاة للتقدم والتنوير والإصلاح والتسامح، وجميعهم بلا استثناء، أفنديتهم على عمائمهم، لبسوا لباس الجيش تحت العمامة وحملوا السلاح وبيضوا الإرهاب وأيدوا الفساد والظلم والاستعباد، فقط لأن من ارتكبه كان من جماعتهم، فهل كانت محاربة العصبوية الطائفية ضمن برامجكم؟ أم أنكم فوجئتم الآن بعدم جدوى تلك البرامج وأنها مليارات اقتطعت من جيوب دافعي الضرائب الأمريكيين لتصرف على هكذا مدنية وهكذا ديمقراطية وهكذا جيش وهكذا دولة تذوب عند أول لفحة شمس؟!