كم كلفنا التردد في اتخاذ قرار يحسم توجه الدولة السياسي تجاه جماعة المرشد؟ هل نحاورهم؟ هل نصبر عليهم؟ هل نقبل بهم شركاء؟ أم نحظرهم تماماً ونحظر التعامل معهم محلياً ودولياً ونقطع الشك باليقين، فالجميع يقف في وضع التجمد انتظاراً لقرار البحرين، محلياً السوق ينتظر والسلطات تنتظر والمجتمع ينتظر، ودولياً الخليج ينتظر والحكومات الأجنبية تنتظر، لأنها ترى موقفاً هو بين البينين، فلا هم الذين حظروها ولا هم الذين تعاطوا معها، وبالتالي هم أيضاً لا يعرفون هل يلتقون بهذا التنظيم ويتحاورون معه باعتباره جهة مرخصة من المفروض أن تلتقي بها الحكومات الأجنبية كقوى سياسية تعمل على الأرض؟ أم لا يلتقون بها لأن أي لقاء من أي سفير أجنبي مع هذا التنظيم يكون موضع استهجان شعبي واتخاذ موقف من الدولة التي تتعامل معه ومقاطعتها ووسمها بالخائنة لإرادة الشعب البحريني.
حتى القرارات الاقتصادية معطلة بانتظار أن ترسو السفينة ليعرفوا على أي بر، وهذه حرب استنزاف سياسية واقتصادية في ذات الوقت، ليس للتنظيم فحسب بل حرب استنزاف لمقدرات وثروات الدولة وتشتيت لجهودها.
الأدهى أن التنظيم هو الآخر اتخذ نفس الموقف تجاه الدولة، فلا هو الذي قبل وجودها وقبل الحوار العقلاني معها، ولا هو الذي طلقها بالثلاث وقرر إسقاطها، وهذه أيضاً حرب استنزاف لمقدرات وثروات الدولة.
هذا التذبذب والتردد فتح الباب للتدخل الأجنبي على مصراعيه سواء من منظمات دولية أو حكومات أجنبية، وبقاء التنظيم مرخصاً جعل منه مسماراً لجحا، سؤال نوجهه للبحرين المترددة ألا يقاس أثر هذا التردد؟ ألا تصلكم تقارير تضع أمامكم سيناريوهات محتملة لكل قرار وتبعاته؟
سؤال آخر للبحرين بعد أن قررت مصر حظر هذه الجماعة، ألا تعتقدون أنها حسبت حساب زيادة وتيرة العنف؟ بالتأكيد حسبتها وتوقعتها، ألم تحسب حساب رد فعل الحكومات الأجنبية وخاصة الاتحاد الأوروبي وأمريكا؟ بالتأكيد حسبتها وتوقعتها، لكنها حسمت أمرها واتخذت القرار وكانت السعودية ودول الخليج ظهيراً لها، وبالفعل زادت حوادث العنف والتفجيرات أول أيام اتخاذ القرار، ولكن كما توقع الجميع، التصعيد جاء إلى حين، فالعنف قضية خاسرة في كل بقاع الدنيا، وها هو الأمن بدأ يعود لمصر.
وذات الأمر بالنسبة لمواقف الدول الأجنبية، تصاعدت ردود الفعل وهددوا مصر وابتزوها ووو وماذا بعد ذلك؟ هل يفتح أحد من الدول الأوروبية أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية مسألة جماعة المرشد مع مصر الآن؟ أقصى ما فعلوه أنهم قالوا في البداية هه سنراقب الانتخابات، وها هو كيري سيزور السيسي الآن. انتهى.. جفت الأقلام وطويت الصحف، قرار حاسم وضع العالم كله أمام أمر واقع.
لكن تعال وقارن الوضع في البحرين، من أصغر شرطي أمريكي إلى السفير إلى وزير الخارجية إلى سيناتور إلى.. إلى.. حتى موظفي الكونغرس «يا دهينه لا تنكتين» نحاورهم ونجادلهم ونناقشهم ونبذل جهداً في إقناعهم بأن البحرين بلد متقدم وبه كذا وكذا وأن المسألة غير ما يفبرك ويكذب ويبالغ هذا التنظيم وأن العراق كذا وووو، كم من الأموال تبذل لتصحيح صورة يستمر هذا التنظيم في تشويهها ونستمر نحن في تصحيحها؟ وإلى متى؟ كم من أبناء البحرين من يترك أهله وعياله وأعماله ويسافر أحياناً على حسابه الخاص ووفود أخرى تجهزها الدولة لتصحيح أمر واضح كالشمس لأوروبا ولأمريكا لنقنعهم برؤية شيء لا يريدون أن يروه، فهل يتخلص أحد من دجاجة تبيض له ذهباً؟ هل يتخلص من ورقة ابتزاز وتدخل ممكن أن يستغلها لخدمة مصالحه؟ يكون غبياً لو بين أنه صدقنا، يبقينا دائماً في حاجة لإقناعه وأنه.. هه بدأ يتحلحل الوضع عنده وحتى إذا ما استرخينا عاد و«لعن سنسفيلنا» في تقاريره، وعدنا للمربع رقم واحد في حرب استنزاف لن تنتهي، فمازال مسمار جحا موجوداً فأبشري يا أمريكا وأوروبا ويا كل المستفيدين بما فيهم شركات غاز المسيل للدموع والأقنعة والكاميرات، فانتعش يا سوق وانتعشوا يا سماسرة وووو جاك الربيع يا كل طامع في أموالنا!
على صعيد آخر هذا التردد تتحفظ عليه دول الخليج احتراماً لإرادة البحرين، فهم ينتظرون أن تختار وتستقر على رأي حتى يعرفوا كيف يتعاملون مع هذا التنظيم ومع التدخلات الخارجية ويحمون ظهر البحرين، وكيف ممكن أن يدعموا موقفها، وهو أيضاً موقف مكلف مادياً وسياسياً ويؤثر على بقية دول الخليج.
دولة البحرين احسميها وتوكلي على الله الذي لا إله غيره.. هذا التنظيم وبال على الشيعة أولاً ووبال على البحرين ثانياً ووبال على الخليج وعلى أمن المنطقة كلها، إنه خنجر إيراني مغروس في خاصرتنا.
أما عن الإصلاح ومكافحة الفساد وبقية المصاحف التي يرفعونها فهم ليسوا وكلاءها الحصريين.. وحديثنا عنها غداً.