قبل أيام انتشر خبر مفاده أن الولايات المتحدة أعربت عن «قلقها الشديد» من «استهداف» الحكومة لما وصفتها بأكبر جمعية سياسية في البحرين، يعني الوفاق. حيث نسب إلى مسؤول أمريكي رفيع المستوى (...) قوله إن «الولايات المتحدة لديها مخاوف قوية حول دعوى قضائية رفعتها السلطات البحرينية لتعليق نشاط أكبر جمعية سياسية معارضة في المملكة الخليجية».
جاء في الخبر نفسه أن ذلك يأتي»بعيد» «إعلان البحرين عن مساعيها لتعليق نشاط جمعية الوفاق لمدة ثلاثة أشهر بتهمة انتهاك قانون الجمعيات».
وجاء فيه أيضاً أن المسؤول الرفيع قال «نحن نتابع القضية عن كثب»، و»لدينا مخاوف قوية بشأن هذا القرار وتأثيره المحتمل على الانتخابات المقبلة المتوقعة في وقتٍ لاحق هذا العام»، وأنه أضاف أنه «يتعين على جميع الأطراف البحث عن سبل لبناء الثقة في هذا الوقت والمضي قدماً في عملية الحوار».
أمور عدة في الخبر المذكور تستدعي التوقف عندها؛ أولها أن الخبر نسب إلى مسؤول رفيع المستوى بالخارجية الأمريكية، لكن لم يذكر اسمه، وثانيها أن التعبير عن القلق كان شديداً، وثالثها أن التعبير عن القلق الشديد جاء «بعيد» إعلان البحرين عن عزمها تعليق نشاط الوفاق لمدة ثلاثة أشهر، ورابعها أن الولايات المتحدة «تتابع القضية عن كثب». وكل هذا يتطلب منا دراسته والبحث فيه جيداً، فعندما تعبر الولايات المتحدة عن قلقها الشديد «بعيد» وصولها خبر عن عزم البحرين أو رغبتها رفع دعوى قضائية ضد جمعية الوفاق يعني أن لهذه الجمعية موقعاً خاصاً في السياسة الأمريكية وأن لها مكانة تستدعي أن تعبر أكبر قوة في العالم عن قلقها بل قلقها الشديد «بعيد» أي فور سماعها خبر أن مملكة البحرين «تفكر» في رفع دعوى قضائية لتجميد نشاط هذه الجمعية. هذا يعني أيضاً أن الولايات المتحدة تعتبر هذه الجمعية مهمة إلى الحد الذي يمكن أن تتأثر مصالحها سلباً نتيجة تجميد نشاطها لبعض الوقت لتصحيح وضعها القانوني، وأن هذا التأثر يستدعي التعبير عن القلق الشديد فور انتشار الخبر!
كل هذا يدعو إلى إثارة السؤال الكبير الذي يفترض أنه يأتي نتيجة «قلق البحرين» قيادة وحكومة وشعباً عن سر العلاقة بين الولايات المتحدة وجمعية الوفاق، والتي من أجلها أوعزت هذه الدولة العظمى إلى أحد كبار مسؤوليها للتعبير عن «قلقها الشديد» «بعيد» انتشار خبر «تجرؤ» البحرين على القول بأنها تعتزم رفع دعوى قضائية ضد الوفاق لتصحيح وضعها!
الأكيد أن ما تقوم به الولايات المتحدة ليس نتيجة أي أزمة بين الدولتين، لأنه من غير المعقول أن تكون سياسة أمريكا مبينة على ردود الفعل، ولأنها سبق أن عبرت عن «قلقها الشديد» من محاكمة خليل المرزوق فأرسلت من يحضر محاكمته باسمها، ثم عبرت عن «قلقها الشديد» أيضاً «بعيد» اتهام النائب العام أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان ومساعده السياسي خليل المرزوق بمخالفة القانون بشأن الاتصالات الخارجية بعد أن التقيا مساعد وزير الخارجية الأمريكية.
هناك أمر غريب، فبالإضافة إلى كل ما سبق وصفت أمريكا قرارات الحكومة هذه وغيرها ذات الصلة بـ»الرهيبة» وتم اتهامها بأنها «مصممة لتخريب التحركات نحو المصالحة» بالتحرك ضد الوفاق، وزادت نشر الأخبار من نوع «البحرين تبرهن على نحو متزايد بأنها في غير محل الثقة وبقاؤنا فيها على المدى الطويل يعرض وجودنا للخطر»، مضيفاً «ومما يدعو إلى التساؤل كم نستطيع أن نعول على حكومة البحرين والاعتماد عليها كحليف».
السؤال من جديد ولكن بصوت عالٍ.. ما سر كل هذا الاهتمام الذي تبديه الولايات المتحدة بالوفاق؟