فقدت البحرين بالأمس علماً واسماً بارزاً في سماء الثقافة والإبداع، ليس على الصعيد المحلي بل العربي. فقدنا الأستاذ والفنان التشكيلي إسحاق خنجي رحمه الله، هذا الفنان الذي كبرنا مع فنه وإبداعاته، وعايشنا سنوات طويلة من عطائه وتراثه الراقي.
شهور طويلة منذ آخر مرة التقيت به، هو الأستاذ صاحب القامة الرفيعة الذي نقبله على رأسه كتلاميذ وأبناء، لكنه بتواضعه الجم يخجلك، بتعامله المحترم وأسلوبه المهذب يجعلك تقول: يا ليت كل الفنانين وكل الأساتذة وكل المبدعين مثل الأستاذ إسحاق.
البحرين غنية بمثل هؤلاء المبدعين، والذين لو تتبعنا مسيرتهم لوجدنا أنهم أعطوا بلدهم وموروثها الفني والثقافي أكثر مما أعطتهم، ولا يعطي أكثر الابن البار، لا يبذل ويجتهد ويعمل لأجل سمعة بلده دون انتظار مقابل أو تكريم إلا من آمن واقتنع بأن الولاء لهذا التراب والعطاء لهذه الأرض أسمى وأعلى وأكبر من أي شيء آخر، وهكذا كان الأستاذ العظيم بكل أخلاقه وأقواله رحمه الله.
الأستاذ خنجي عاصر مراحل حساسة وهامة مرت بها البحرين، منذ فترة الاستعمار والتحرر وصولاً إلى الانفتاح والتطور ومعاصرة المشروع الإصلاحي وما شهدته بلادنا من تقلبات وأمور مختلفة. كان يتحدث معك فتجد فيه موسوعة وطنية متنقلة تنقل لك عصارة خبرتها وتقدم لك الحكمة في بساطة غير مبتذلة. حديثه لا يمل، وكلامه يوحي لك بألف فكرة وفكرة.
مثل هذه القامات لا يجب أن تنسى، هي أصلاً لن تنسى ولن تمحى من أذهاننا ومن قلوب من تأثروا بها، هناك أناس يخلدهم التاريخ ويدونون اسمهم بقوة في سجلات أوطانهم، لكننا أيضاً نقول ما نقول إيماناً بأن الدولة لا يمكن لها أن تنسى علماً من أعلامها في المجال الثقافي والفني، فمسيرة الأستاذ إسحاق خنجي يجب أن توثق، تكريمه أمر لا جدال عليه، تخليد اسمه على معلم من معالم البحرين مطلب نرفعه لقيادتنا حفظها الله، فعيوننا فتحناها على أعماله الفنية المتناثرة حول البحرين، والله مازلت أتذكر نصب السمكة الذي تقع عليه عيناك وأنت متجه من المنامة إلى المحرق العريقة، مازلت أتذكر مجسم الشراع، كلها اقترنت باسم البحرين واسم إسحاق خنجي.
جلالة الملك حفظه الله كرم الأستاذ الفاضل الراحل بوسام الكفاءة، وهنا نقول لملكنا العزيز بأن آخر أمنيات الأستاذ خنجي كانت إنشاء متحف يضم أعماله التشكيلية والفنية، وكم اليوم نحن بحاجة لتخليد ذكراه بإبراز أعماله الوطنية وجعلها متاحة للنشء الجديد لكي يعرف كيف يكون حب الوطن وكيف يجسده المبدعون من خلال إبداعهم.
رحمك الله يا أستاذنا الفاضل، مرب قدير لأجيال بحرينية مازالت ألسنتها تلهج بالشكر والتقدير له، فنان رائع رفع اسم بلاده وتحول رمزاً للفن والإبداع نفتخر به.
أسكنه ربنا فسيح جناته وخلد ذكراه الجميلة جيلاً بعد جيل.
- اتجاه معاكس..
قبل سنوات طويلة عرض تلفزيون البحرين برنامجاً تحت اسم «فن وإبداع»، خصصت الحلقة العاشرة منه لتسليط الضوء على الأستاذ إسحاق خنجي وأعماله الفنية والإبداعية. ليت التلفزيون يعيد بث هذه الحلقة، أو ينتج برنامجاً خاصاً يخلد ذكرى الأستاذ الفاضل. ولمن يريد معرفة معلومات أكثر عن هذا الرمز البحريني المبدع يمكن أن يجد الحلقة المذكورة في «اليوتيوب».
نجمة متلألئة في سماء البحرين انطفى بريقها بالأمس، لكنها من الاستحالة أن ينطفئ نورها من عقولنا وقلوبنا.