يقولون أحياناً، إن بهجة العيد للأطفال. والحقيقة أن العيد يبدأ من عيون الأطفال؛ لأنهم الأقدر على استشعار الفرح والأكثر تحرراً في التعبير عن مظاهر السعادة والابتهاج، وهم من ينشر السعادة في محيطهم. والحقيقة الثانية أن العيد هو إجماع على إعلان السعادة واجتماع حول مظاهرها.
ديننا دين السعادة. أحكام الشريعة قصدت حفظ النفس والأهل والمال والدين، كي يحيا المسلم مطمئناً سالماً مستقراً قادراً على تعمير الأرض. وكي تصبح السعادة مظهراً دينياً شرع الله لنا العيدين لنعلن فيهما الفرح إعلاناً جمعياً. ونجاهر بمظاهر البهجة من أكل ولهو وفرح مجاهرة جماعية.
ديننا دين الجماعة والإجماع. فالمناسك التي تسبق العيدين هي مناسك جماعية، ومعيار إتمامها وأمارة عظمتها الأداء الجماعي لها. فعيد الفطر يسبقه صيام أهل الأرض قاطبة من المسلمين لشهر رمضان، ويحرم فيه المجاهرة بالفطر، ويتضامن غير المسلمين ممن يعيشون في بلاد الإسلام مع شعيرة الصيام بالامتناع طواعية عن المجاهرة بالفطر، وأحياناً يبادرون بمشاركة المسلمين الصيام أو إهداء المسلمين طعاماً للإفطار. تلك الروح الجماعية تضفي على العبادة شعوراً بالتكاتف والإنسانية والتسامح قد نفتقده في المعاملات العامة. وما أن يجيء عيد الفطر حتى يفرح الجميع بإتمامهم الصيام وبلوغهم العيد.
وعيد الأضحى يأتي بعد شعيرة الحج؛ حيث تتجمع أكبر كتلة بشرية في الكرة الأرضية في بقعة صغيرة يؤدون المناسك ذاتها بانتظام فريد. فيحل عيد الأضحى وقد فرح الحاج بتمام فريضته ويفرح غير الحاج لتمام موسم الحج وتنزل الرحمات إكراماً لأهل عرفة. يقف أهل عرفات متضرعين بالدعاء وطلباً للمغفرة، ويصوم غير أهل عرفات مشاركة لإخوانهم الحجاج واقتباساً لبركة يوم التاسع من ذي الحجة. جميع المسلمين، أو أغلبهم، يكونون في طاعة وعبادة ودعاء، ثم في فرح بعد الطاعة والعبادة. فالإجماع والاجتماع هو سر الأعياد ومقاصدها وحكمتها المنشودة.
وفي هذا العيد، وكغيره من الأعياد التي سبقت، يفارق إجماعنا بفرحة العيد إخوة لنا في غزة قضوا أكثر من نصف شهر رمضان تحت القصف يصوم بعضهم نهاره، ثم يفطر عند ربه. أسر أبيدت بالكامل أنى لأهلها وأصحابها أن يفرحوا بالعيد وأنى لأطفالهم أن يلبسوا الجديد. وفي العراق مازال مسلسل التهجير مستمراً انتهى بإرهاب أهل ذمتنا من نصارى العراق وتشريدهم من ديارهم وأموالهم. وفي سوريا مازالت الحرب دائرة يقتل من يقتل لا فرق هناك بين من يطاله سيف داعشي أو برميل أسدي، فالموت هو المتربص بمن لا ناقة له ولا جمل. وليس الحال في اليمن وليبيا بأفضل. وهكذا تخرج جماعة غير قليلة من الأمة العربية، من الإجماع على فرحة العيد لندرك أننا نعيش أسوأ سنواتنا العربية.
لا تنسوا إخوانكم الذين اكتسى عيدهم بالدم والتشرد والخوف. امنحوهم بعض دعائكم وشيئاً من ذاكرتكم، وسعوا لهم في التعاطف، وخصصوا لهم مساحة من مشاعركم تستشعرون بها نعمة الله عليكم أن خصكم بتمام البهجة والعافية وامتحنهم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال وتناقص مستمر في الأهل والخلان، لا تخذلوهم بنسيانهم وتجاهل محنتهم كما خذلناهم بالتقاعس عن نصرتهم.
وكل عام وأنتم مجتمعون على الخير والسلام والطاعات.