كل عام والعرب والمسلمون بألف خير، نتمنى أن يكونوا بخير، كل عام ونحن نرفع أيدينا بالدعاء لإخوتنا وأحبتنا في كل أرجاء الوطن العربي المغلوب على أمره، كل عام ونحن نتمنى لأحبتنا في غزة أن يخفف الله عنهم كربهم وبلواهم، وأن يزيح همومهم ويرفع عنهم كل الشرور والمآسي، وأن ينتقم الله تعالى لهم من الصهاينة العتاة.
في يوم العيد لا يمكن حصر أو تتبع كل همومنا العربية، ولا يمكن لنا أن نحدد أزماتنا لكثرتها وتشعبها وعظم حجمها، فالمأساة العربية والملهاة الإسلامية التي لا يمكن لنا أن تفهم حقيقتهما، قد أربكتا واقعنا القلق، ووضعتنا في مزيد من الحيرة، لأننا باختصار لم نستطع فك شفرة الفوضى التي عمت البلدان العربية كلها، وكأن الذي ينقص تلك الفوضى هي «غزة».
الأعياد الثلاثة الأخيرة التي مرت على العرب، لم تكن في الحقيقة أعياد فرح بما يحمل الفرح من معنى، بل كانت تمثل كدرا ممزوجا بالألم والترقب والخوف، أما هذا العيد الذي نعيشه الآن، والذي تزامن مع قصف غزة وموت وجرح الآلاف من الفلسطينيين في الأيام الأخيرة من شهر الله الفضيل، فإنه عيد مشحون بالجراح والدموع، عيد لا طعم له ولا لون ولا رئحة فيه سوى رائحة الدم والفتك والقتل، ومن هنا يمكن لنا أن نتساءل؛ كيف سيكون شكل هذا العيد في غزة؟ وكيف ستعيد الأم التي فقدت أبناءها؟ وهل يمكن لأطفال غزة الذين فقدوا أمهاتهم وأباءهم أن يلبسوا الجديد؟ وهل يملكون المال أصلاً ليشتروا لهم لذيذ ما نأكله نحن وجميل ما نلبسه؟ وكيف يمكن أن يطل العيد على أهل غزة وهم بلا منازل، أو مشردون في العراء؟ وكيف للعائلة الفلسطينية أن تفرح وتبتسم والقذائف تتساقط فوق رأسها، وبقية أفرادها إما شهيد أو جريح؟ هل لدى أهل غزة وقت للفرح أصلاً؟
لو سقطت طائرة عربية «لا سمح الله» ومات جميع ركابها، فإن الدولة التي سقطت طائرتها ستعلن الحداد، ولربما تلغي عيدها، هذا أقل ما يمكن أن تفعله مراعاة لمشاعر ذوي ضحايا تلك الطائرة، فهلا استحى العرب قليلاً ليعلنوا ولو من باب المجاملة السياسية الحداد في أوطاننا حزنا على ما يحل بأهلنا في غزة المحتلة الجريحة؟ أم سنعيش كامل الفرح وهناك من يعيش كامل الحزن أو هناك من يموت حتماً في يوم العيد؟
هذا العيد سيكون مختلفاً عند الشعوب العربية، فبالإضافة لأحزانها الداخلية ها هي أحزان غزة تجتاح قلوبها ومشاعرها وتتصدر همومها، وفي حال لبست الجديد من الملابس، فإن الألم هو سيد الموقف، وسيان عند الشعوب العربية اليوم بين أن تلبس الجديد أو القديم، ما دام الحزن يخيم على قلب كل فرد منها، وما دامت غزة تعشعش في الضمير، وما بقينا عرباً نحب القريض فيمكننا أن نتسلى برائعة المتنبي «بأي حال عدت يا عيد».
كل عام وغزة بألف خير، كل عام وفلسطين جرحنا الأكبر، كل عام والقدس عروس عروبتنا، كل عام والخزي للصهاينة الغزاة، والمجد والعزة والشموخ والنصر لك يا مدينة المضحين «غزة».