بقلم ـ د.خالد سعيد طبارة:
من الملاحظ في السنوات الأخيرة ظهور بعض الأمراض الجديدة، أو ازدياد حدة بعض الأمراض المنتشرة مثل الأنفلونزا.
وتشمل هذه الأمراض مرض جنون البقر 1986 والأنواع المختلفة من الأنفلونزا، و«سارس» الذي انتشر في شرق آسيا سنة 2002، ومؤخراً مرض متلازمة الشرق الأوسط للجهاز التنفسي MERS وتعرف عامياً بـ«الكورونا».
ما القاسم الـمشترك لهذه الأمراض؟ أن جميعها أمراض تسببها أحياء دقيقة منشأها الحيوانات، ونظراً لظروف غير طبيعية تتحول هذه الكائنات من وضعها السابق المتوازن إلى وضع جديد يمكنها من غزو جسم الإنسان، وحيث إنها أمراض جديدة فليس لجهاز مناعة الإنسان علم مسبق بها، ولذلك تسبب أمراضاً فتاكة تودي بحياة الإنسان.
فمثلاً مرض جنون البقر هو مرض يسببه بروتين يعمل مثل الكائنات الدقيقة، رغم أنه ليس لديه خواص الكائنات الحية، وهو مرض معروف تاريخياً في الخرفان، ولا يسبب موتها أو ينتقل من الخرفان للإنسان، وعندما تم استعمال أعضاء الخرفان المطحونة لإطعام البقر، تطور هذا البروتين ليسبب مرض جنون البقر، وفي نفس الوقت تمكن هذا البروتين بعد مروره في جسم البقرة من التطور ليتمكن من غزو جسم الإنسان عند أكله لحوم بقرة مصابة ليست مطهية بشكل صحيح.
وأما بخصوص الإنفلونزا والسارس والكورونا، فإن هذه الفيروسات كانت تسبب الأمراض في الحيوانات، قبل أن تتحول من خلال طفرة جينية ينتج عنها تغير في طبيعة الفيروس، ما مكنها من غزو الخلايا الإنسانية.
وللعلم فإن الفيروسات هي كائنات دقيقة طفيلية تعيش وتتكاثر من خلال تسخير الخلية التي يتم غزوها والفيروسات المختلفة متخصصة من حيث نوع الحيوان أو الإنسان، ويمكنها غزوه وفي نفس الوقت هي متخصصة في نوع الخلايا التي تمكنها أن تتسبب لها بالعدوى.
ويكمن هذا التخصص في طريقة دخول الفيروس إلى الخلية المغزوة، حيث إن هناك بروتينات على سطح الفيروس وأخرى على غشاء الخلية التي يتم غزوها يعمل كمتلقي للفيروس، وعندما يتطابق هذان البروتينان يتمكن الفيروس من الدخول إلى الخلية ويسبب لها المرض.
وبذلك فإن فيروسات الحيوانات لا تتمكن عادة من أن تدخل خلايا الإنسان لعدم تطابق البروتينات.
وما يحدث في الإنفلونزا هو أن الفيروس معرض لطفرات جينية كثيرة، وعندما ينتج عن هذه الطفرة تغير في البروتين على سطح الفيروس العامل على غزو الخلية بحيث يتطابق مع المتلقي على خلية الإنسان، يتمكن عندئذ الفيروس من دخول خلية الإنسان.
وفي العديد من الحالات تكون هناك عدة طفرات، الأولى تمكن الفيروس من الانتقال من حيوان إلى آخر، ومن ثم إلى الإنسان، وبذلك يعمل الحيوان الثاني كوسيط لتمكين الفيروس من الانتقال إلى الإنسان.
وكذا الحال ربما في مرض الكورونا الحالي، وفي حالة السارس الذي يسببه فيروس من فصيلة كورونا أيضاً، حيث إن هذا الفيروس منتشر في الوطاويط ولربما يكون الجمل هو وسيط من خلاله انتقل المرض من الوطاويط إلى الإنسان.
وأثبتت التحاليل الـمخبرية على عدد من الجمال في دول الخليج العربي، وجود الفيروس والأجسام المضادة لهذه الفيروسات في الجمال، ما يثبت أن الجمل قد تعرض للفيروس سابقاً، وعمل جهاز المناعة على إنتاج هذه الأجسام الـمضادة.
وينتقل الفيروس من الوطاويط -أو أي حيوان آخر- إلى الجمال «إذا كان هذا فعلاً ما حدث»، علماً أن ليس جميع الحالات المرصودة تمت فيها مخالطة بين الإنسان والجمل، فإن العديد من الحالات المشخصة لم يكن واضحاً فيها مصدر العدوى الأساسية، وأصبح من الواضح أن العدوى الآن تنتقل من إنسان لآخر وفي الأغلب كانت في مخالطي المريض الأساس من أفراد العائلة أو الطاقم الطبي المشرف على علاجه.
أما عن طبيعة مرض متلازمة الشرق الأوسط للجهاز التنفسي «الكورونا»، فهو مرض رئوي ينتقل عن طريق رذاذ الجهاز التنفسي ويصيب خلايا الجهاز التنفسي، قبل أن يتفشى في الجسم في بعض الأحيان ليصيب أعضاءً أخرى في الجسم، وفي بعض الأحيان يسبب التهاباً حاداً ينتج عنه سيولة الدم ونزيف حاد في عدد من أعضاء الجسم وفشل في عمل بعض أعضاء الجسم.
وتبين الدراسات التي أجريت عن مدى سهولة انتقال المرض من إنسان لآخر أن هذه العدوى منخفضة أي أنه ليس بالسهولة انتقالها من إنسان لآخر في المجتمع العام.
وبالنظر إلى مجموعات انتشر فيها المرض، نرى أن غالبية المصابين في عمر متقدم، أو أن مناعتهم متدنية تباعاً لتعاطيهم عقاقير تضعف المناعة أو لإصابتهم ببعض الأمراض المزمنة، ينتج عنها تدنٍ في مقاومة الأمراض المعدية عامة.
السؤال الأهم بالنسبة للمواطنين هو ماذا أفعل لأحمي نفسي من الإصابة بهذا المرض؟
رغم عدم وجود حالات في البحرين حتى الآن، فإن التنقل بين البلدان في هذا العصر أصبح متاحاً للجميع، ومن الوارد أن يصل مصاب بالمرض إلى المملكة من الخارج، ومن الممكن أيضاً أن تنتقل العدوى إلى مواطن مسافر إلى إحدى دول الجوار ويعود للبحرين حاملاً لها.
لذا فإن الحماية هي الأساس، وحيث إن العدوى لا تنتقل بسهولة في المجتمع حسبما تطلعنا الدراسات، فإن الحماية هي في الأساس باتباع إرشادات منظمة الصحة العالمية.
وتتلخص هذه التعليمات في تجنب الرذاذ الناتج عن الجهاز التنفسي عند العطس أو السعال، وينتقل الفيروس عن طريق استنشاق هذا الرذاذ المعدي أو عن طريق ملامسة أسطح أو أيدٍ ملوثة بهذا الرذاذ.
ويتوجب على الجميع تجنب التعرض لهذا الرذاذ، وعلى المصابين بأعراض الرشوحات التأكد من تغطية أفواههم عند السعال أو العطس باستعمال المناديل أو أكمام قمصانهم وليس أيديهم، لمنع انتقال العدوى، وعلى الأصحاء غسل الأيادي بكثرة وعدم ملامسة أفواههم بأيديهم المحتمل تلوثها من أسطح ملوثة دون علمهم، ومن المستحسن تجنب التقبيل حيث إن الوجه ربما يكون ملوثاً، وبالتالي تنتقل العدوى من الوجه إلى الشفتين بسهولة.
أما عن استعمال الأصحاء الكمامات، فذلك ليس ضرورياً، وأما عن استعمال المصابين للرشوحات بالكمامات لمنع انتقال العدوى إلى آخرين فهذا وارد.
ومما يزيد من إمكانية انتقال العدوى هو الازدحام والبقاء في أماكن مغلقة، حيث لا يتغير الهواء بشكل فعال، وفي هذا الإطار فإن هذه الظروف شائعة في ظرف الحج، حيث يختلط آلاف الحجاج في أماكن ضيقة وقرب حجاج آخرين من جميع أنحاء العالم ومن مستويات وعي صحي متفاوتة. وكلنا يعلم أن الحجاج معرضون للأمراض الرئوية والمعوية بشكل عام، لذا من الضروري الحيطة خلال الحج بلبس الكمامات وغسل الأيدي بالصابون مراراً وخاصة قبل الأكل.
وفي النهاية فإن الوعي الصحي واتباع إرشادات الحماية هي الضمانة الوحيدة لعدم انتقال العدوى، وذلك حتى يتم تطوير لقاح أو إنتاج دواء يقضي على هذا الفيروس.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}