لم نسمع في التاريخ الإغريقي ولا البابلي ولا دولة الإسكندرون الأكبر، أن الدول ذات المساحات الشاسعة والأعداد البشرية الهائلة -والتي تبلغ عشرات الملايين- طبقت أو ابتدعت نظام حكم اسمه «الشعب يحكم نفسه بنفسه»، وحتى الولايات الأمريكية وروسيا وبريطانيا شعوبها لا تحكم نفسها بنفسها، وها هي إحدى هذه الدول تقرر شن حروبها وتأخذ أبناءها دون رضاهم لتدفعهم للموت في سبيل مصالح سياسية لا تعود على شعوبها بخير ولا فائدة، كما تقر ضرائب وتعقد صفقات وتكون تحالفات دون أن تقوم بعملية استفتاء قط ولا تأخذ برأي شعب مرة.
وما دام حديثنا هنا عن «حكم الشعب نفسه بنفسه» سنأتي إلى مسألة تعديل الدوائر الانتخابية التي تدخل ضمن منظومة ما يسمى «حكم الشعب نفسه بنفسه»، ونسأل إذا كان تعديل الدوائر الانتخابية تعليله كم الأنفاس البشرية، وبأن هذه المنطقة بها ألف وهذه المنطقة بها عشرة آلاف، أي هذه المنطقة تحتاج نائباً وهذه المنطقة تحتاج عشرة نواب، إذاً فما فائدة مجلس تتجاذبه تكتلات مناطقية تطيح بهذه المنطقة لأن يمثلها نائب ويرتفع نصيب منطقة لأن يمثلها عشرة نواب؟
ثم هل يصلح هذا النظام لدولة تتجاذبها أطراف سياسية وتنهشها ميول طائفية؟ وهل تتحقق مصلحة الشعب على يد نواب لديهم ولاءات خارجية ليتها سرية بل علنية، مثال على ذلك البحرين التي كان فيها بعض من النواب لا يكادون أن ينهوا جلسة حتى حزموا أمتعتهم متوجهين إلى دول أجنبية معادية لدولتهم، وهل ينفع المجلس هذا النظام في ظل نواب يعقدون اجتماعات ويتبادلون الزيارات مع سفارات أجنبية ومنظمات دولية، ومنهم من يسافر إلى الكونغرس الأمريكي لا ليدافع عن بلاده بل لحشدهم وحثهم على التدخل فيها بقوات عسكرية.
إن من يظن بأنه إذا تم اعتماد تعديل الدوائر الانتخابية قد يغير من الحالة السياسية شيئاً فإنه ليس «إلا كباسطِ كفيهِ إلى الماءِ ليبلغَ فاهُ»، وذلك لأنه لن يدخل المجلس النيابي إلا منضوياً تحت جمعيات سياسية، إذاً المجلس النيابي البحريني إذا ما عدلت فيه الدوائر فسيكون تكوينه مهلهلاً وضعيفاً لطرف وقوياً لطرف، حين يكون الطرف الأول هو «خليط بليط» من مستقلين ومن هذه الجمعية وتلك الجمعية وذاك التجمع، والطرف المقابل يتكون من نواب يخضعون لجمعية واحدة تأتيها الأوامر لا تزل عنها ولا تحيد.
إذاً ما الفائدة التي سيجنيها الشعب من مجلس نيابي قلوب نوابه ليست مجتمعة على حب البحرين، فالحصيلة إذاً ستكون تعميق الشرخ الطائفي، كما ستنفر المواطنين من دولتهم، وذلك حين تسلم إدارة شؤون البلاد لهذا المجلس وتصبح محكومة بقراراته، فهي قد أقرت هذا النظام وهي ملزمة به ومساءلة عنه حتى أمام المجتمع الدولي الذي لا يمكنها التراجع عنه.
فيا أهل العقول الراجحة نسألكم بالله ونقول لكم إن الظرف لا يحتمل تجارب وأن الجو الشعبي لا يتحمل انتكاسة، فيكفي ما حدث لشعب البحرين الذي مازال يداوي جروحه ويحمل آلامه ويقوي نفسه بأن الله مع الصابرين، هذا الشعب الذي أصبح يحدث نفسه ماذا ستكون من مفاجآت قادمة، فهل هي صواعق تقضي على ما تبقى من أمل بأن يكون هناك حل حازم يعود بالبحرين إلى بر الأمان، ذلك البر الذي كان فيه الاقتصاد مزدهراً والعمران مستمراً والأمان في ربوع البحرين منتشراً والشعب يعيش في وئام وسرور منهمر.
ومن ضمن حديثنا عن النظام الانتخابي، لابد هنا أن نطرح تساؤلاً عن نوعية بعض الديمقراطيات مثل ديمقراطية الولايات المتحدة وهي التي يترصد نوابها ومجلس شيوخها للبحرين، في الوقت الذي فيه يحرم بعض من مقاطعاتها حق التصويت في المجلس النيابي مثل مقاطعة كولومبيا، ساموا الأمريكية، غوام، بورتوريكو، وجزر فيرجين الأميركية، فهل يمكن مثلاً أن تأخذ البحرين بهذه الجزئية كونها مقتبسة من النظام الديمقراطي الأمريكي؟
وبما أن الموضوع يتعلق بمجلس نواب ودوائر انتخابية فلنا أن نذكر أيضاً بعضاً من تدخلات الولايات المتحدة في الشأن البحريني، وذلك حين طالب 11 نائباً من الكونغرس وزير الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هاغل بالعمل على لعب دور أقوى في معالجة الاضطرابات السياسية في البحرين، حيث ذكر في رسالته هذه: «بأن ما يسمى الربيع العربي كان فرصة تاريخية للولايات المتحدة من أجل إعادة النظر في علاقاتها مع العالم العربي، وإيجاد حكومات تحترم حقوق الإنسان، إلا أنها تأسف أن في حال البحرين لم تأخذ الأمور هذا الاتجاه»، كما نصحت الرسالة «الولايات المتحدة والحكومة البحرينية»: «إن مجرد شراء الوقت ليس خياراً جيداً بعد الآن».
هذا دور الكونغرس الأمريكي الذي يؤكد أن هناك علاقة وطيده بينة وبين ما يجري في البحرين، كما يكشف ما سيترتب عليه إذا ما عدل النظام الانتخابي الذي قد يكون مدخلاً يؤهل لإيجاد حكومة بديلة متوافقة مع تطلعات الكونغرس الأمريكي التي ذكرها في رسالته هذه.