قد لا يتفق عنوان مقالتي مع ما تتداوله الصحافة الرياضية هذه الأيام عن الحادثة الغريبة العجيبة بكأس العالم وهي «عضة سواريز!»، ولكن سأدع القارئ الكريم يقرر معي العنوان الأمثل.
في مباراة إيطاليا كان لاعبو الأوروغواي يحاولون بشتى الطرق كسب المباراة، فهي مباراة مصيرية بالنسبة لهم وليس أمامهم سوى فرصة الفوز على منتخب إيطاليا للتأهل للدور المقبل ولتحقيق الآمال بعد مسيرة التصفيات الطويلة الشاقة، ورحلة الملحق المرهقة.
وكان سواريز من وجهة نظري أكثرهم سعياً في هذا الأمر، وكان لابد أن يقوم بدور بطولي ينقذ به أوروغواي من محنتها، نعم.. فهو البطل الذي أرجع الحلم المونديالي بهدفيه الحاسمين في موقعة إنجلترا التي حبست الأنفاس، وبلغت فيها قلوب الأوروغوانيين الحناجر، حتى جاءها الفرج وتنفست الصعداء بقدمي البطل سواريز، الذي لم تؤثر عودته من الإصابة على نجاعته التهديفية وفعاليته المدهشة أمام المرمى، فإن كان ميسي منقذ الأرجنتين، ونيمار صانع الفرق بالبرازيل، فسواريز بطل الأوروغواي والمخلص المخلص وقت الأزمات. لذا قام سواريز في مباراة إيطاليا بعض اللاعب الإيطالي كليني محاولة منه في استفزازه ليقوم بردة فعل يطرد على إثرها، وتكسب أوروغواي بهذا الأفضلية بفارق عدد اللاعبين، لم يكن سواريز يريد إيذاء كليني شخصياً أو حتى أي إيطالي آخر، لكن صادف أن كليني كان هو المناسب لتنفيذ حيلة سواريز.
قد يختلف معي المختصون بالرياضة إلا أن تحليلي النفسي للواقعة من واقع اختصاصي بعلم النفس التربوي يؤكد ما أشرت إليه آنفاً، ولعل الذي يراجع تصوير الحادثة سيرى سواريز مبتسماً لحظة عضه، يتوارى عن الحكم لئلا يطرد بتلك المباراة، ولم يكن مندفعاً بعدوانية أو همجية.
وهل ينسى الرياضيون ما تداولوه بأنفسهم من تضحية سواريز في مونديال 2010، وذلك عندما عرض نفسه للطرد بعدما صد الكرة بيده أمام غانا في ربع النهائي؟! تلك اللحظة التي بددت أحلام غانا، وأحبطت لاعبيها، وجعلت معنوياتهم في الحضيض في نهاية الشوطين الإضافيين، فكأنهم بعدما كانوا سيصلون بسفينتهم إلى بر الأمان، حبسهم سواريز كسفينة صغيرة لا تستطيع الخروج من عنق الزجاجة! فلم يسجلوا من ركلة الجزاء تلك، ولا من ركلات الترجيح الأخرى، ليندفع في المقابل منتخب أوروغواي بلاعبيه الناقصين الذين أمدهم طرد سواريز بالقوة، وملأتهم تلك التضحية عزيمة وإصراراً، فلعبوا كالأبطال يحذوهم الأمل، ليتأهلوا للدور التالي من البطولة.
سواريز ضحى بنفسه وبمشاركاته في الأدوار القادمة من أجل خدمة بلده، فهذا هو دأبه، وليس ما يعتري البعض من وهم بأن فعله ناتج عن مرض نفسي. سواريز ليس الخاسر من هذه العواقب ولا المتضرر بهذه العقوبات، إنما منتخب أوروغواي هو الذي سيخسر بطله «مجنون التضحيات».