إن اختفاء علماء الدين المعتدلين وانحسار عقلاء المنابر الدينية وغياب الكتاب الإسلاميين المتزنين من عالمنا الإسلامي، هيأ الأجواء والمناخات المناسبة لخروج كميات كبيرة من «الطفيليات» التي تدعي زوراً بأنها من علماء الدين والوعاظ والمفتين والحكماء، لكنها في حقيقة الأمر لا تعدو في كونها عصابات تتاجر بدماء المسلمين وبأموالهم وأعراضهم ومصيرهم.
يعزو الكثير من المحللين الاجتماعيين هذه الظاهرة إلى أمرين اثنين؛ الأمر الأول هو في تنحي وابتعاد علماء الدين الحقيقيين عن الواقع الإسلامي بسبب الفتن والإرهاصات السياسية الحاضرة والحاصلة، التي تضرب واقعنا في عمقه، وبما أننا نعيش «عصر الفتنة»، فإنه -بحسب مبانيهم الفقهية- يجب عدم الخوض في الفتن وفي متعلقاتها.
أما الأمر الآخر؛ فإن العصابات والمليشيات الإسلاموية التي مازال بعضها يتاجر بالسلاح والمخدرات وتبيض الأموال، ولكثير منها أيضاً علاقات وطيدة مع المخابرات الصهيونية العالمية وبعض القوى الاستعمارية، قد استغلت طبيعة «التدين» الفطري والعفوي البسيط، وربما الساذج أحياناً، للكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، فتلبسوا بلباس التقوى والوعاظ والمفتين والمتقين، حتى انتشرت بيننا أسماء عديدة في عالمنا الإسلامي، لا يمكن إلا أن نصفها بأنها أقل من شخصيات «عادية»، وبعضها تتمتع بتاريخ إجرامي سيء، لكنها اليوم أضحت تفتي في المسلمين وتخترع فتاوى دينية خطيرة تحرض على الفتن والكراهية والحقد والموت والقتل وسفك الدم الحرام، وتشجع على قطع الرؤوس وحز النحور، وتدفع باتجاه البطش والقتل وسحل الموتى وسبي النساء وتفخيخ الأجساد، كل ذلك وأكثر يكون عبر «فتوى» جهادية من شخص «نكرة»، أو عبر موقعه في تويتر أو من خلال أية فضائية رخيصة، يبث سمومه من خلالها.
ما مكن هؤلاء «العملاء» وليس «العلماء» من أن يأخذوا دور المرجعية الدينية والإفتاء في عالمنا الإسلامي، هو في انكماش دور العلماء الحقيقيين الكبار، الذين يجب أن تكون من أهم وأبرز واجباتهم الدينية والشرعية اليوم، أن يتصدوا لكل هذه الفوضى من الفتاوى والخرافات والإرهاب الإسلاموي، فغيابهم فتح الباب على مصراعيه للتكفيريين والحاقدين من أبناء كافة الطوائف الإسلامية أن يعيثوا في الأرض الفساد، دون أن يجرأ أحد على مواجهتهم!
المطلوب اليوم، أن تخرج العمامة الرشيدة الصامتة من قمقمها لمواجهة الواقع وحفظ ما تبقى من أركان الإسلام العظيم، وأن تتحلى بالشجاعة لتبين مسالك الحق لكل الناس، وأن تأخذ دورها الريادي في التصدي لهؤلاء الزنادقة الذين يدعون زوراً وبهتاناً أنهم من شريحة علماء الدين، والدين منهم براء، كما على المجتمعات الإسلامية أن تحذر من الوقوع في شرك فتنة كل مغرض وأفاك أثيم أو عتل زنيم، فالذين يدعون وصولهم لمراحل متقدمة من الإفتاء والعلم في زماننا هذا لا يتعدون في كونهم لصوص دم ودين، يسرقون من الإسلام هيبته وقدسيته، ويبيعون ما تبقى منه للأجنبي.
أحبتي، إذا وجدتم عالم دين يدعو إلى الخير والحب والسلام والمحبة والصلاح والفلاح والرشاد، ويدعو كذلك للأخوة والتقارب والتعاون والتعاضد وحقن الدماء والأعراض وحفظ النفس الإنسانية البريئة مهما كان دينها ومعتقدها، فتمسكوا به حتى الرمق الأخير، ومن دون هذا العالم العاقل الجليل، من علماء الدم والفتن، فارموهم في أقرب مزبلة، والتاريخ سيتكفل بالباقي.