أولاً دعونا لا ننسى القضية الأساسية وننشغل بتبعاتها، دعونا لا ننسى أن الأساس الذي طالب الرأي العام بتشكيل لجنتي التحقيق «الوزارية والنيابية» من أجله هو التأكد من مجموعة المعلومات التي نشرتها صحيفة الأيام في صفحتها الأولى والملخصة في التالي:
أولاً: وجود عنصر من حزب الله أو له صلة بحزب الله يعمل كمستشار في هيئة شؤون الإعلام.
ثانياً: الاشتباه بضلوع هذا العنصر بحرق أحد الأستوديوهات في مبنى تلفزيون وإذاعة البحرين.
ثالثاً: «تعاقد» هيئة شؤون الإعلام مع شركة مشبوهة لديها صلة بالذراع الإعلامي لحزب الله.
الأمر الثاني نظراً إلى أهمية هذه المعلومات ونظراً لما لها من طابع أمني غاية في الخطورة كنا نتوقع أن تبدأ وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني تشكيل لجان تحقيق فورية وسريعة للتأكد منها، فإن صح وجود عنصر حزب الله فذلك يعني أنه إلى هذه اللحظة موجود في مبنى التلفزيون والإذاعة، وإن تمكن فعلاً من حرق أحد الأستوديوهات فبطاقة الدخول التي يملكها تخوله حرق الثاني والثالث، وربما الاستيلاء على أستوديو البث المباشر، لذلك فنحن نستغرب فعلاً لطريقة التعامل مع هذه المعلومات الخطيرة التي تحتاج إلى تشكيل لجان تحقيق فورية بلا تهاون، فالحركة بطيئة والاستعجال غير موجود وإلى الآن لم تبدأ اللجنة ووو، يثير الريبة بحد ذاته في جدية التعامل مع المعلومة أو بوجود علم بعدم جدية المعلومة، ألا تخشون من حريق آخر أو أي ضرر آخر قد يلحق بالمباني؟ ألا تخشون من استمرار هذه الثغرة الأمنية الكبيرة؟ توقعنا استنفار جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية.
ومن المتوقع أن تشمل التحقيقات أكثر من هيئة حكومية، كالأمن الوطني ووزارة الداخلية، ومجلس المناقصات، والخدمة المدنية، فكلها ضالعة بدخول أي إنسان إلى داخل مبنى هيئة إذاعة وتلفزيون البحرين.
ولجان التحقيق بشكل عام لا يقف دورها عند التحقق من الواقعة فقط بل يمتد إلى مراجعة وتقييم «النظام» المعمول به برمته في تلك الهيئات والبحث عن الثغرات التي سمحت بوقوع أي تقصير، فما بالك ونحن نتحدث عن اختراق أمني من تنظيم صنف على أنه تنظيم إرهابي، فاللجنة هنا تكتسب أهمية أمنية قصوى، إذ في حالة «صحة الاتهام» بواقعة دخول عنصر بهذه الخطورة إلى واحدة من أهم من الوزارات السيادية فإن التقصير يشمل جميع هذه الأجهزة، وهنا لا بد أن يتخذ قرار على أعلى مستوى.
والأمر الآخر، لابد من نشر نتائج التحقيقات التفصيلية علناً وجميع الصحف ملزمة بنشرها، وذلك لأن المعلومات والاتهامات الأولية نشرت في الصحافة وانتفى معها طابع السرية، ومن حق الرأي العام أن يعرف ويطمئن إلى سلامة أمنه الوطني، فالنتائج لن تكون حصراً على دائرة ضيقة بل لا بد من نشرها.
كما لا يجب أن يتخلف المجلس النيابي عن تشكيل لجنته لمجرد أن هناك لجنة وزارية، فاللجنة النيابية هي الأداة الدستورية التي يراقب بها نواب الشعب أداء هيئات السلطة التنفيذية وكفاءتها، فاللجنة الوزارية هي لجنة تحقيق داخلي من حق السلطة التنفيذية أن تشكلها لتقييم أدائها ومعالجة أوجه القصور الذاتية.
أما عن تشكيلة اللجنة النيابية فمع احترامنا لنواب الأمة وثقتنا الكبيرة في حياديتهم، وليس طعناً في تلك الحيادية، إنما حين طرح موضوع المبادئ التي يتم تشكيل لجنة التحقيق على أساسها فلم يكن ذلك مساس ولا شخصنة لعضوية اللجان، فهناك أصول معروفة وبديهية في أي عملية تحقيق، حيث يتنحى تلقائياً كل شخص أبدى رأياً عاماً في واقعة ما ثم وجد نفسه ضمن لجنة أو هيئة للتحقيق فيها، هذا المبدأ معروف، وليس خاصاً في البحرين أو خاصاً في وزارة الإعلام، واسألوا أهل السلطة القضائية واسألوا المحامين واسألوا من شئتم، حتى هيئات المحلفين في النظام القضائي الأمريكي -على سبيل المثال- تستثني أي عضو إن كان قد أبدى رأياً علنياً حول الواقعة التي سيكون عضواً تحكيمياً فيها، لذلك فطلب استبعاد أي شخص أبدى رأياً علنياً في تلك الواقعة الخاصة بالإعلام طلب مشروع ولا يعد تدخلاً في عمل السلطة التشريعية، كما إنه ليس للهيئة الإعلامية التدخل في تشكيل اللجنة طالما أن أياً من أعضائها لم يسبق له التصريح العلني حول القضية.
الخلاصة بأننا كرأي عام وكسلطة رابعة وكمجتمع بحريني نطالب أولاً بإعادة توجيه البوصلة والتركيز على القضية الأصلية التي هي نشر معلومات خطيرة ومهددة للأمن القومي، وألا ننشغل بالاهتمام بتوابع الزلزال، ونطالب بالإسراع قبل أن يلحق عنصر من حزب الله أي ضرر بواحدة من أهم مواقع السيادة.
لنتأكد أولاً من عدم أو من وجود عنصر من حزب قام بحرق الأستوديو، وحين يصدر التقريران وينشران.. فلكل حادث حديث حينها!