في السابق كانت الدول التي تضع الجاسوسية من أولوياتها تقوم بعملها بالوسائل الصعبة والمعقدة، كانت تتعب في الحصول على المعلومات والبيانات والتفاصيل، ولأجل ذلك كانت «الحرب الباردة» تشهد صراعاً في الظل بين الجواسيس.
لكن الزمن تحول، إذ مثلما تحول أخطر جاسوس سوفيتي في ألمانيا إلى رئيس روسيا (فلاديمير بوتين)، فإن عملية الحصول على المعلومات باتت بسهولة شديدة توفر على «النهمين» في الحصول على تفاصيل البشر بغض النظر عمن يكونون، توفر عليهم الجهد والتعب.
اليوم الحصول على معلومات الناس باتت أسهل عملية، وهي لا تتم بأسلوب المخابرات المفضوح، بل بأسلوب الخدمات والعروض، وأبرز هذه الوسائل هي الأوساط البرمجية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تطلب غالبيتها المعلومات الدقيقة وأرقام تواصل وعناوين وتواريخ الميلاد وغيرها من معلومات، حتى أن بعض الأحاديث انتشرت بشأن بعض «التطبيقات» الخاصة بالهواتف الذكية سواء على متاجر «الأبل» أو «الأندرويد» يستفاد منها في عملية جمع المعلومات والتفاصيل مثل اللعبة الشهيرة «أنجري بيرد»، ولا ترفعوا حواجبكم استغراباً.
عموماً، اليوم هناك وسائل أخطر، تتمثل بتطبيقات التخزين في «الكلاودز» أو «الدروب بوكس»، والأخير ما أدراكم ما الأخير، له قصة كما هي قصة إنشاء «الفيسبوك» لكن التطور الزمني يحول الأهداف البسيطة إلى أهداف لها مرام أخرى.
«الدروب بوكس» تطبيق يقوم على تخزين الملفات في وسط افتراضي، اخترعه طالبان، درو هيوستن وآراش فردوسي، وأحدهما كان يعاني من هوس تضييع ملفاته في الكمبيوتر أو اختفائها للأبد في حالة تعطل الجهاز أو سرقته، فاخترع التطبيق الذي يمكنك من الحصول على جميع ملفاتك المرفوعة عبر أي جهاز تملكه، سواء حاسوباً أو هاتفاً ذكياً.
الفكرة هنا، بأن أغلب هذه البرامج حينما تعرض عليك –وقت التسجيل أو التنزيل- اشتراطات وقوانين قبول الخدمة تحاول أن تؤكد بأن معلوماتك ستحظى بالسرية والخصوصية، بحيث لن يطلع عليها أحد، أي أحد، رغم أنها حتى تخزن ويحتفظ بها لا يعقل بأن تتم العملية فقط من خلال برمجة إلكترونية! أقول لا يعقل باعتبار أنه لو حصل خلل في «السيستم» فإن العرف السائد في المعالجة يفتي بالعودة للعمل اليدوي وهنا يأتي دور البشر.
ليست هنا مشكلة بالنسبة لموضوع اليوم، بل المشكلة تكمن فيمن ذكرنا اسمها أعلاه، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس «عرابة» مشروع «الشرق الأوسط الجديد».
قبل أيام أعلن مجلس إدارة شركة «دروب بوكس» عن انضمام كوندوليزا رايس إلى مجلس إدارة الشركة. هذه الخطوة استجلبت ردات فعل عنيفة لدى مستخدمي التطبيق، لدرجة أنهم أطلقوا هاشتاق «دروب دروب بوكس» احتجاجاً على وجود رايس في مجلس الإدارة.
ردة الفعل الغاضبة لها مبرراتها فوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كانت دعمت عملية التنصت على هواتف المستخدمين بدون الحاجة لأمر قضائي، ويمكن ربط العملية مباشرة بالفضائح التي تم الكشف عنها العام الماضي عن قيام البيت الأبيض الأمريكي بالتنصت على هواتف مئات الآلاف من البشر من بينهم زعماء ورؤساء دول أبرزهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
الآن يمكن لكم تفهم المخاوف، فرايس وهي التي بدأت مشروع التغيير في دول الشرق الأوسط، وهي التي كان لها يد في عمليات التنصت وإباحة انتهاك خصوصية البشر في نظام كان يدعي أنه النظام العالمي الأول المدافع عن الحريات وحقوق الناس، هي الآن تعود لموقع أكثر خطورة، لا يمكن معه تقبل حتى فكرة أنها تقف في موقف مناهض لسياسات البيت الأبيض وساكنه الحالي، رغم أن رايس صرحت مؤخراً في مناسبتين، الأولى أمام المؤتمر السنوي للحزب الجمهوري والثانية في حفل لجمع تبرعات لصالح الحزب بأن السياسة الأمريكية الحالية غير قوية والإدارة تحتاج إلى ترميم، في تصريحات اعتبرها المراقبون تمهيداً لسباق ترشح للرئاسة بينها وبين هيلاري كلينتون.
رايس تعود اليوم في موقع يمنحها فرصة الاطلاع على تفاصيل كل البشر المشتركين في التطبيق حتى مع تعهد مجلس إدارة «دروب بوكس» بأن الخصوصية موجودة ولن يكون وجود رايس مصدر قلق. لكن هذا التأكيد لا يعني شيئاً، فنحن نعرف تماماً من هي «عرابة» مشروع الشرق الأوسط الجديد، مؤيدة التنصت على البشر، ومن تسعى للوصول إلى البيت الأبيض قريباً.