لا يمكن أن تحل مشكلة وأن تداوي معضلة في أي قضية سياسية بـ«الخش والدس»، فكيف إذا كانت هذه القضية مؤامرة انقلاب على دولة تحيطها منظومة خليجية راكزة الأركان قوية الأساس؟ بها دول تعين وتعاون القاصي والداني، فإذا بهذه الدول تترك البحرين اليوم تنافح وتكافح مؤامرة، ليست مؤامرة عادية؛ بل مؤامرة عالمية ضد كيان الأمة، ألا وهي دول الخليج التي كانت بدايتها من البحرين.
اليوم نطرح قضية تعاطي الدولة مع هذه المؤامرة ومعالجتها، حيث إنها بعد أن بدأت في مواجهة هذه المؤامرة بكل حنكة وحكمة واستطاعت أن تئدها وتعيد أعقاب قادتها إلى بطون أمهاتهم، لكنها مع الأسف غيرت هذه المواجهة بعد أن دخلت حسابات غيرت من مؤامرة فاشلة إلى مؤامرة عادت بنسج خيوطها بطريقة تسلم لها الدولة بصورة رسمية وبإشراف دولي يوقع الدولة في فخ لن تخرج منه، هذا الفخ نصبه مهندس الاحتلال «السفير الأمريكي» في العراق، والذي يقود اليوم خيوط هذا التسليم ليشابكها فينتج منها موقعاً متقدماً للوفاق في السلطة ويؤهلها إلى الوصول لكرسي الحكم، الذي مازال في نظر علي سلمان قادماً لا محالة بعد أن يأخذ مواثيق أمريكا.
إن «الخش والدس» الذي تتبعه الدولة في التواصل مع الوفاق عبر وسطاء، لن يوصل البحرين أبداً لبر الأمان، حيث نوايا الوسطاء هي خدمة الوفاق وتيسير الأمور لها لإكمال خطتها الانقلابية، إذ إن أي تسوية لن تجدي مع هذه الجماعة التي تسعى إلى استلال الحكم، وماعدا ذلك لن يقنعها، فلا مشاركة انتخابية حتى فازت بأغلبية المقاعد وعين جميع قادة الوفاق في الشورى أو قلدوا مناصب وزراء ووكلاء، وها هي الوفاق تقول وتؤكد «أن وضع البحرين لا يمر عبر مسألة انتخابات شكلية، فهي أوسع من أن تحلها انتخابات، وحتى لو شاركت المعارضة ستبقى المشكلة قائمة والحراك الثوري لايزال قائماً».
البحرين أمام قضيتين؛ القضية الأولى أن دولة خليجية تعاصر مؤامرة انقلابية ودول الخليج لا تتقدم خطوة واحدة لتقتلع هذه المؤامرة من جذورها، والتي لاشك إن بقيت ستصل إليهم عما قريب، فدول الخليج قادرة على ذلك، وها هي تناصر مصر وتقف معها بكل قوة في الوقت الذي تتخلى فيه عن البحرين.
الدول الخليجية ناصرت البحرين، وهو أمر لا ينكر، لكن ليس بحجم المؤامرة التي مازالت في أشدها، حيث اضطرت الدولة للتفاوض مع الوفاق بـ»الخش والدس».
أما القضية الثانية؛ أن على الدول الخليجية أو بعضها على الأقل أن تعلن اتحادها، لأن البحرين ليست بحاجة إلى دعم اقتصادي بقدر حاجتها إلى الدعم الأمني، الذي لو توفر لها لاستطاعت أن تنهض بنفسها من جديد.
وهنا لابد أن نذكر كيف استطاعت دولة الإسلام الأول أن ترسي رواسيها رغم ما كانت عليه من ضعف في مواجهة أعدائها، حتى استطاعت أن تفتح دول الأكاسرة والقياصرة، وذلك عندما استعانت في تسيير أمورها بمشاورة الرجال الثقات، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى يجتمع بأصحابه الذين يعلم إخلاصهم للإسلام، والمنزهين عن كل الأطماع الدنيوية ليتشاور معهم، ومنها تشاوره في الخروج لملاقاة العدو في غزوة بدر، واختيار المكان الذي ينزلون فيه، وقال مقولته المشهورة: «أشيروا علي أيها الناس»، ثم تحرك بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر ليحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عند أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحباب بن المنذر كخبير عسكري وقال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة»، فقال الحباب يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل، فأنهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم -أي جيش المشركين- فننزله ونغور «نخرب» ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليهم وسلم «لقد أشرت بالرأي»، فأخذ برأي الحباب ومشورته.
إنها مشورة الصالحين الذين لا يرجون منازل ولا مناصب، إنها المشورة في العلن، إنها المشورة التي فيها ينتقي ذوي القلوب الصافية التي لم تعرف يوماً غدراً ولا مكراً، وليست القلوب المشحونة بالغل التي تريد أن ترمي الأمة في حضن الفرس.