ديوان الرقابة المالية والإدارية مسؤوليته الأولى والرئيسة المحافظة على المال العام والتصدي بالفضح والمحاسبة لكل جهة تعمل على استغلال المال العام أو تبديده، وهذا المثال السادس (وليس الأخير) يبين لنا كيف علم الديوان وتابع حالة من حالات تبديد المال العام، ثم صمت ولم يحقق أو حتى يثر هذا التبديد- الفساد في تقاريره....
عندما كان فهمي الجودر وزيراً للأشغال، تعاقدت وزارته مع شركة «تييم انترناشينول» -Team int- لوضع مشروع التطوير الإداري للوزارة، يتضمن وضع استراتيجية لإدارة المشاريع، إضافة إلى تطوير الجوانب الإدارية الأخرى، كلفة هذا المشروع كانت 177 ألف دينار، وقد باشرت الوزارة تنفيذه فور الانتهاء من إعداده وهي لاتزال سائرة وفق خططه وضوابطه.
وزارة البلديات والتخطيط العمراني أرادت أن تقلد وزارة الأشغال ولو دعائياً فتعاقدت (من خلال مناقصة) مع الشركة ذاتها على إعداد وتنفيذ مشروع تطوير إداري خاص بها بكلفة 425 ألف دينار، وبالفعل وقع العقد بين الطرفين في 3 فبراير 2010 وبدأت الشركة عملها بعد شهر على أن ينتهي التنفيذ بعد 18 شهراً، إلا أن الوزارة طلبت من مجلس المناقصات في 26 يونيو 2011 تمديد مهمة الشركة ستة أشهر أخرى لتصبح فترة التنفيذ عامين وبمبلغ إضافي قدره 125 ألف دينار (29% من قيمة المناقصة الأساسية).
ملخص مشروع التطوير الإداري لوزارة البلديات يتكون من المرحلة الأولى والتي تتضمن وضع استراتيجية الوزارة من حيث الرؤية والرسالة والأهداف والقيم والمبادرات الاستراتيجية، وتتضمن المرحلة الثانية عمل دراسات تنظيمية تعكس الاستراتيجية على الهياكل التنظيمية والإجراءات وتقنية المعلومات وسياسات الموارد البشرية والدراسات المالية.
قامت الوزارة بتنظيم احتفالية كبرى بتدشين المشروع تحت رعاية نائب رئيس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، ونشرت إعلانات في الشوارع عن التدشين والبدء في التنفيذ، وقامت بتعيين مستشار تطوير إداري لإدارته لا يملك أي خبرة في هذا المجال انتقل هذا المستشار للعمل مع جهة أخرى بعد الاحتفال مباشرة، وتم استبداله بمستشارة أخرى كانت تعمل كرئيس دائرة تنسيق ومتابعة ببلدية المنامة ولا تملك أي خبرة في هذا المجال.
الشركة صاحبة المشروع دأبت على حض الوزارة على إطلاع الموظفين على تفاصيل المشروع، والوزارة ترفض وكأنه من الأسرار العسكرية، وكأنها جاءت به وصرفت عليه من أموال الصندوق البلدي المشترك ثم وضعته في الأدراج ولم تخرجه ولم تنفذ منه شيئاً حتى الآن.
ديوان الرقابة المالية اطلع على تفاصيل المشروع وخطوات الاتفاق عليه والمبلغ الذي أضيف والذي يثير الاستغراب، ثم الصرف عليه من الصندوق المشترك، لكن الديوان بقي صامتاً لم يحرك ساكناً تماماً مثل ما فعل مع الحالات الخمس الأخرى التي ضاع فيها المال العام وفاحت فيها رائحة الفساد.