إن نزعنا ثوب التسميات وتركنا الممارسة عارية من أي وصف، فإننا سنكتشف أن الولايات المتحدة الأمريكية في العراق لا تدعم «نظاماً ديمقراطياً» كما تدعي، لا تدعم «الاستقرار» كما تدعي، لا تحارب «الإرهاب» كما تدعي، إنما تدعم حكومة «فاسدة» ثار عليها الشعب، حكومة «دولة دينية» دعت للنفير العام عبر رجال دين أعلنوا حرباً طائفية على شعبهم بفتوى رسمية.
في حال دخول حاملة الطائرات الأمريكية إلى بحر الخليج العربي لقصف العراق فإننا أمام دولة مستعدة لتثبيت حكومة فاسدة ترعى الإرهاب ولو بقصف الطائرات، بعد أن ثبتتها أول مرة بالدبابات عام 2003، فإن أسقطتم طاغية بغطاء شرعي في المرة السابقة، فإنكم تثبتون آخر هذه المرة منفردين دون غطاء دولي لأنكم تعرفون أن أحداً في العالم كله لن يشارككم حماقاتكم المتكررة في كل مرة، ولن يستعدي أكثر من مائة مليون عربي ومسلم من جديد من أجل مغامرات غير محسوبة.
لذلك فإن حماقتكم فاقت الحدود ولم تعد تسترها تلك الخرق البالية المسماة «ديمقراطية» و«مكافحة إرهاب» و«أمن» و«علاقات تاريخية» و«مصالح مشتركة» تسوقون بها مشروعكم، فلم يعد أحد يشتري بضاعتكم.
وفي البحرين إن نزعنا ثوب التسميات من جديد، فإنكم لا تدعمون أي إصلاح بل تدعمون ذات الحزب العراقي بفرعه البحريني هذه المرة، بكامل أذرعه الدينية والسياسية والإعلامية، بما فيها المراكز المحظورة قانونياً، فقد قدمتم الدعم لمركز رغم علمكم أنه محظور ومخالف للقانون، أي أنكم لا تدعمون الديمقراطية ولا حقوقاً إنسانية إنما هو دعم لجماعة واحدة فرضتموها على الشعب العراقي وتريدون أن تفرضوها علينا، وتذرعكم باستفادة مسؤولين حكوميين أو مؤسسات مدنية أخرى لم تشارك في محاولة الانقلاب على الدستور، فإننا كنا شعباً يثق بكم ولم نكن نمانع من التعاون معكم وقبلنا لافتاتكم وصدقناها وأبدينا كل رغبة في دعمكم ودعم برامجكم وسجل السفارة يثبت لكم، كما كنا داعمين لكم في بداية الأمر، حتى إذا ما وقعت الواقعة ورأينا أن من قادوا الانقلاب مازالوا يحظون بدعمكم اللامحدود نفض الجميع يده عنكم ولم يعد يقبلكم إلا من تحالف معكم ضد وطنه.
نحن لا نقف عند التسميات حتى يتسرع سعادة السفير في نفي أن برامج «ميبي» لا تهدف إلى «تغيير الأنظمة» ليس العنوان ما يستوقفنا، دعمكم لقادة الانقلاب ممن تلقوا تدريباً وتسويقاً من لدنكم منذ فبراير 2011 إلى الآن سموه ما شئتم. تغيير أنظمة، إصلاح أنظمة، تطوير مهارات، تنمية قدرات.. إلخ، لا تهمنا اللافتة المرفوعة على دكانكم، ما يهمنا هو أن بضاعتكم هي دعم لا محدود تتلقاه هذه الجماعة تحديداً لا يحتاج إلى مايكروسكوب حتى نراه من خلال هذه الوثيقة أو تلك أصبحنا نرى الخيانة بالعين المجردة الآن.
في البحرين لم نكن نحتاج إلى تلك الوثيقة أو غيرها، ولا نحتاج لنائب يمثل الأمة أن يجري في كل مرة لستر عورتكم، فمنذ فبراير 2011 ونحن نتعايش مع هذا التحالف وهذا الدعم يوماً بيوم وكأمر قائم وكائن، فمنذ فبراير 2011 وحتى اللحظة وكل مسؤول أمريكي يصرح أو يدخل البحرين لا يهمه إلا تلك الجماعة والسؤال عنها والحث على دعمها جنباً إلى جنب مع تصريحات، نحن ندعم الإصلاح، نحن لا نتدخل، نحن ونحن، برسائل متناقضة تترك لكم باب الهروب من المسؤولية، الذي نعرفه الآن واصبح واضحاً أنكم تحملون مشروعاً محدداً هم أداوته، نحن لا نملك سوى تعريف واحد لتلك العناية القائمة التي تولونها لتلك الجماعة، وهو الخيانة، ومن قبل الطرفين «الجماعة وأنتم» فأنتم لم تخونوا الشعب البحريني فحسب، بل خنتم شعوب كل دول مجلس التعاون -ماعدا تلك الجماعة- منهم، وعزلتموهم عن مجتمعهم وبيئتهم الحاضنة الطبيعية، وأحدثتم شرخاً كبيراً في مجتمعاتنا لم نكن نعرفه قبل تدخلكم لدعم الديمقراطية، والأدهى أنها خيانة لعناوينكم البراقة «الحقوق المدنية، الحريات، المرأة، التعددية»، فتلك الجماعة لن تتنازل عن نهجها المناقض لكل تلك القيم ومع ذلك تغاضيتم عن نهجها وأطلقتم على تلك المتناقضات المناطق الرمادية، تغاضياً مخزياً متنكراً لكل ما تدعون، يفضح زيف ادعائتكم ويكشف عورتها، إنما نبشركم فكل تلك الأموال التي أهدرت عليهم -المعلن عنها وهناك غيرها- لم يفصح عنها، ضاعت هباء منثوراً في العراق وفي البحرين بعد أن تصدى لها الشعبان.
الآن دعنا نتكلم عن المستقبل، إن كنا نريد معكم عودة العجلة إلى الوراء وتصفير الحساب والبدء من جديد في بناء الثقة، فهذا يتطلب منكم في ما يتعلق بالشأن البحريني، عدم التدخل بأي شكل من الأشكال، نكرر بأي شكل من الأشكال، بمعنى لا يفتح أي مسؤول أمريكي يزور البحرين أو مقيم في البحرين كسعادتكم موضوع هذه الجماعة ولا غيرها من الجماعات، فلستم أوصياء علينا ولستم رعاة لهم، إن توطيد وتقوية العلاقات الثنائية التي تدعون أنكم حريصون عليها تتم عبر سلطات الدولة فحسب، أما «القوى السياسية» ففي ظل هذه التوترات الطائفية في منطقتنا يستحسن أن تتحلوا بشيء من الحصافة وتتخلوا عن الكاوبوي القابع داخلكم وتبتعدوا عن الجميع وبأميال كما يفعل البريطانيون الآن، وذلك لإثبات حسن النوايا إن صدقت.
وهكذا الأمر بالنسبة للعراق، فالشعوب العربية والخليجية لا ترى في دخول حاملة الطائرات والتهديد بقصف العراق إلا انتصاراً لفئة على أخرى، وتثبيتاً لطائفة دون أخرى، وترى في هذا القرار الأحمق حرباً سافرة لا تملك أي شرعية ضد شعوب المنطقة، ويفترض أنه بعد كل خسائركم من الأموال والأرواح لتدريب العراقيين على إدارة شؤونهم أنهم كبار بما فيه الكفاية ليعرفوا كيف يديرونها كما قالت هيلاري كلينتون «أعتقد أنه من الجيد أن يسمع رئيسكم بعضاً من نصائحها».
أما آخر المطاف فهو ذلك التنسيق الإيراني الأمريكي ضد دولة عربية يعد بما لا يحتمل الشك حرباً مشتركة معلنة على دول الخليج وبلا غطاء هذه المرة، هذه القرارات ممكن أن تعيد رسم العلاقة من جديد إنما في الاتجاه المعاكس لما تودون، أي حديث عن علاقات وتاريخ ومصالح مشتركة وأمن دون مراجعتكم لهذه القرارات ودون أن نرى تجاوباً على الأرض لها، فإنه حديث تسمونه أنتم «بوول شيت» احتفظوا به لأنفسكم ولا تهدروا وقتنا ووقتكم