كانت المسألة الطائفية في الوطن العربي قبل أعوام بسيطة فقط هي مجرد مشكلة سطحية لا تتجاوز الشتائم والقذف وإثارة النعرات المذهبية، وكانت محصورة في أفراد وجماعات قليلة جداً، إضافة إلى أنها لم تتجاوز مناطق جغرافية بعينها.
وقتها، وعلى الرغم من ضعف نفوذ تلك الجماعات الطائفية، كنا نحذر من تمادي هذه المجاميع والأفراد القلائل، التي كانت تدفع بكل إمكانياتها من أجل نشر روح الكراهية بين أصحاب وأتباع المذاهب الإسلامية كافة، كما كنا نوصي كل المعتدلين وكل الحكومات العربية من التصدي لمثل هذه الفئات المتطرفة، ووضع حد لكل خروقاتها الأخلاقية والطائفية في العالمين العربي والإسلامي، لكن على ما يبدو حينها كان كل العقلاء وكانت كل الحكومات لم يضعوا هذه النصائح على محمل الجد، إذ اعتبروها أنها مجرد شطحات شاذة تصدر من أشخاص لا يملكون وزناً ولا قيمة في مجتمعهم.
اليوم تبين أن كل الجماعات الطائفية المتطرفة في العالم لا تملك الوزن وحسب؛ بل تملك السلاح والعتاد والجماعات وربما المجتمعات أيضاً، واكتشفنا أنها تملك المال والقرار وكل ما يخطر على البال من كافة أدوات ووسائل ضرب وتفتيت الأمة العربية والإسلامية، بل تيقنا أن كل الجماعات الطائفية تحوز على دعم ورضا الدول الاستعمارية الكبرى، كما وقف الإعلام العالمي والدولي في تقديم يد العون لها كلها، سنيها وشيعيها، عربيها وأعجميها وكرديها، حتى وصل المشهد «العار» إلى ما هو عليه اليوم.
بالأمس كانت الحرب الطائفية حرباً ورقية أو منبرية فحسب، أما اليوم فإنها وصلت إلى مداها، ووصلت إلى حدود كافة الدول العربية والإسلامية، ووجدناها تمتلك الدبابات الحقيقية وليست الورقية، كما إنها تملك كل وسائل القتل والذبح والسبي والنهب والبطش والفتك والنحر، أما إعلامها فإنه فاق في قوته وتوجيهاته كل الوسائل الإعلامية المتقدمة للدول العربية، وهذا لم يكن يحصل بالصدفة أو هكذا عبر أدوات عبثية، بل هي مؤامرة ساهم ويساهم فيها كل من الدول العظمى والدول الصغرى وكل الجماعات الدينية المهوسة والمشحونة بالكراهية والعمى، إنها لعبة يقودها الكبار وينفذها الصغار وكثير من المجانين.
لم تظل دولة ولا جماعة ولا طريقة ولا منهج، ولم يبقَ مثقف ولا كاتب ولا إعلامي ولا أستاذ جامعي ولا رجل دين ولا مهندس ولا عتال ولا زبال ولا رياضي ولا دكتور ولا بروفيسور ولا مسؤول ولا منبر ولا صغير ولا كبير ولا رجل ولا أمرأة إلا وساهمــوا جميعهم في كافة أحداث المشهد الطائفي البغيـض في وطننا العربي المنهك، ومـــن المعلوم حتماً أن من ساهم في تأجيج روح الطائفية والكراهية أو قبل بها أو ارتضاها أو سكت عنها، فإنهم جميعاً سوف يصطلون بنيرانها، آجلاً أم عاجلاً، أما في الآخرة فإن وقوفهم بين يدي الله تعالى سوف يطول، وسوف يحاسبون حساباً عسيراً على كل كلمة انطلقت منهم لتشعل فتنة أو تجهز على بريء، أما من ساهم في سفك دماء الناس عبر منهجه الطائفي القذر فإن له نار جهنم خالداً فيها أبداً