الإحصائية التي تصدر عن جمعية الوفاق شهرياً، وآخرها ما حمل عنوان «حصيلة مايو»، وتضمنت أرقاماً عن عدد الإصابات جراء المواجهات مع رجال الأمن في ذلك الشهر وعناوين مثيرة أخرى مثل الأحكام القضائية والاعتقالات والمداهمات وغيرها، هذه الإحصائيات ينبغي دراستها من قبل الجهات المعنية في الحكومة ومجلسي النواب والشورى ومختلف الجهات ذات العلاقة لتبين ما تحتويه من مبالغات بغية بيع بضاعة يمكن للمنظمات الدولية أن تشتريها، ولو أن هذه تشتري أي بضاعة يشم منها أي شيء ضد المملكة.
اللافت في تلك الإحصائية التي لا تهتم ببيان الظروف التي تسببت في حصول كل تلك الأمور التي اتخذتها عناوين للخانات التي احتوتها هو عدد المظاهرات التي تم تنفيذها في ذلك الشهر وهو 671 مظاهرة، أي بواقع 23 مظاهرة يومياً، وهو رقم كبير دونما شك على بلد مثل البحرين.
طبعاً الوفاق تعتبر الرقم دليلاً على أن المواطنين ضجوا من واقعهم وأنهم لولا أنهم يعانون لما خرجوا يومياً إلى الشوارع ونفذوا كل تلك المظاهرات، لكن هنا ينبري سؤال عن نوع وحجم تلك المظاهرات، حيث الواضح أن الوفاق تعتبر مجرد سير «أربع خمس مفلعين» في «داعوس» بأي قرية في أي وقت مظاهرة، ولا تتأخر عن إضافتها كرقم إلى الإحصائية.
الوفاق والجمعيات التي صارت تحت إبطها والمنظمات الحقوقية في الداخل والخارج يعتقدون أنه كلما زاد عدد المظاهرات كلما كان ذلك دليلاً على حجم الألم والضيق الذي يعاني منه الشعب واعتبروه حجة تستوجب إسقاط النظام. هم لا ينتبهون إلى أن كل هذه المظاهرات يتم تنفيذها خارج القانون، أي أن القانون يبيح للدولة -وتحديداً وزارة الداخلية كونها المعنية بالأمن- أن تتعامل معها، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يكون ناتج هذا التعامل حصول عمليات توقيف وحجز وتحقيقات وصدور أحكام قضائية.
الأمر الآخر الذي لا ينتبهون إليه عند إصدار هذه الإحصائيات هو أنه لا توجد دولة في العالم مهما صغر شأنها تقبل بكل هذا العدد من المظاهرات خارج القانون، والتي تتسبب في إرباك حياة المواطنين والمقيمين وتعطيلها وإحداث الفوضى، وهذا يشمل الدول التي تأخذها تلك الجمعيات نموذجاً ولا تتأخر عن تقديمها كأمثلة في خطاباتها وتعتبرها موائل للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وإذا كان رجال الأمن يتعاملون هنا مع بعض هذه المظاهرات بمسيلات الدموع بغية تفريق المشاركين فيها مع الحرص على أن يكون هامش الضرر ضيقا للغاية؛ فإن تلك الدول «النماذج» ترتكب في كل مظاهرة ضدها حماقات، وفيها يسيل الدم للركب.
قيمة العدد الكبير من المظاهرات هنا قيمة سالبة لأنه يوفر للحكومة المبرر الكافي للتعامل معها بأي طريقة، ذلك أنه من غير المعقول أن تسكت عن كل هذا العدد من المظاهرات التي يتم تنفيذها يومياً وتتسبب في إرباك الحالة الأمنية وأذى الناس وإلا اهتزت ثقتهم فيها.
ما لا تشير إليه تلك الإحصائيات أيضاً هو أن تلك المظاهرات التي يمكن أن يطلق على بعضها «مظاهرات بو آنتين»، أي مظاهرات قليلة العدد معدومة القيمة، هو أن المشاركين فيها يرفعون شعارات لا تليق وتصنف في باب الشتائم ويمارسون سلوكيات غريبة على مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا الإسلامي الحنيف، ويرمون فيها رجال الأمن بزجاجات المولوتوف الحارقة القاتلة وبالحجارة ويختطفون خلالها الشوارع ليشعلوا فيها إطارات السيارات، ولا يبالون بحياة الناس الذين يمكن أن يتضرروا من تلك المظاهرات.
كل هذه التفاصيل لا تذكرها الإحصائيات لأنها ليست في صالح من يصدرها، لكنها تركز على ما تعتقد أنه في صالحها فتبالغ -بسبب قلة خبرتها- في الأرقام لعلها تحرج الحكومة!
المبالغة في عدد المظاهرات وفي كل الأعداد ليست مفيدة دائماً يا وفاق!