«تنظيم» جماعة المرشد الأعلى الإيراني بمؤسساته «الدينية والسياسية والإعلامية» ليس هو الوكيل الحصري «للشيعة» ولا هو الوكيل الحصري «للمعارضة» وبالتالي تحريض الدولة على تطبيق القانون على هذا التنظيم، لا يستهدف الشيعة كأفراد وجماعات وكمعتقد وممارسات ولا كوجود، كما إن استهداف التنظيم لا ينهي موقع المعارضة في الدولة والدستور والقانون يحميها، كما يحاول الذراع الإعلامي لهذا التنظيم أن يوهم العالم.
محاولات الذراع الإعلامي باتت مفضوحة، والتي تربط مصير الشيعة بمصير التنظيم وتربط العمل السياسي بالتنظيم قصراً وعمداً، كي تحمي نفسها وتتحصن خلف هذين الموقعين، ومن خلال تحرير وإنقاذ هذين الموقعين من هذا التنظيم ستتحرر البحرين من مصير عراقي أو لبناني محتوم نحن سائرون له طالما بقي هذا التنظيم مرخصاً وطالما بقيت أذرعه تعمل بحرية تامة، فهي تخدم مشروعاً واحداً نجحت بتحقيقه في لبنان والعراق وتعمل على إتمامه في البحرين، وكلما اقترب القانون منها، صاحت مولولة «استهداف الشيعة» «قمع المعارضة» فيعود قرار الحسن إلى موقعه متردداً، وهكذا تستمر حرب الاستنزاف إلى ما لا نهاية حتى يحقق التنظيم غايته.
معارضة الحكومة كعمل سياسي مشروع ودستوري، بخير فإن لم يتعلم النظام في البحرين وتعلم بقية الأنظمة العربية بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي، بأن وجود «معارضة» ضمن الإطار الدستوري هو أكبر صمام أمان للنظام نفسه ولاستقرار الدولة، فإنها لن تتعلم أبداً.
لذا فإن دعوتنا لحسم موضوع تنظيم جماعة المرشد الإيراني بكافة أذرعها الدينية والسياسية والإعلامية وحظرها حظراً تاماً، لا تعني أننا نقمع صوتاً للمعارضة مطلوباً، ولا حتى نطالب بتدجينها، فلا تتباكى أذرع التنظيم على هذا العمل المشروع باعتبارها الوكيل الحصري.
دعوتنا لحظر هذا التنظيم ليس لأنه الوكيل الحصري للمعارضة، بل لأنه تنظيم خطر على سيادة وأمن أي دولة يوجد بها، لأنه التنظيم عابر للحدود السيادية ولا يعترف بها، ومسخر لخدمة مرشده أينما كان، فنحن إذاً لسنا أمام «معارضة» يحتاجها المجتمع لتحسين أداء حكومته ولمحاربة الفساد وتحقيق العدالة والتنمية.
وعموماً التململ بين أفراد المجتمع البحريني واندفاعهم للاهتمام بالشأن العام والمشاركة فيه انشغالاً واشتغالاً «الله يذكرك بالخير يا بوبشار» حراك بدأ يتبلور بعد فبراير 2011 وبشكل ملحوظ، بإمكانه -لو ترك حراً دون محاولات استقطاب- أن يكون نواة لقوى سياسية تتخلق قادرة على أن تقود الحراك السياسي القادم، وتستوي لنا معارضة وطنية على نار هادئة تتمرس على العمل السياسي المعارض بعيداً عن سطوة هذا التنظيم وعباءته الدينية.
كما إن ارتفاع سقف التعبير ودخول شرائح مختلفة لهذا الحراك أكثر ما يميزه روحه الشابة يبشر بأجنة قوية نشطة واعية لقوى سياسية بإمكانها أن تتبلور وتتخلق لو تركت تلقائية وعفوية، ومن صالح أي نظام سياسي أن يتركها تنمو دون استقطاب، فأمن واستقرار الدول يتأتى من وجود قوى سياسية مستقلة ومؤمنة باستحقاقات الدولة الدستورية، لها رؤيتها الخاصة في إدارة الدولة.
تبقى الملفات أو الأقمصة العثمانية أو المصاحف التي يرفعها هذا التنظيم «مكافحة الفساد والتمييز والعدالة والإصلاح ووووو» هي ملفات للشأن العام بدأ التزايد بالاهتمام بها يتخلق عند شرائح عديدة من شبابنا، وبدأت ملامح الرأي العام وملامح الاعتراض والتذمر والتململ والرؤية الخاصة المستقلة عن رؤية الحكومة تتبلور عند هذه الشرائح ينشغل ويشتغل بها هذا الحراك في صور متعددة، في مجالس جديدة بدأت تحدث ثقلاً، في مؤسسات مدنية جديدة تأسست مؤخراً، في حراك نشط على وسائل التواصل الاجتماعي، في جماعات ضغط تتخذ الساحات العامة لها متنفساً، ومن الطبيعي أن يحتاج ذلك الحراك لوقت كي يتمأسس ويتحول إلى جماعات ضغط قوية أو إلى عمل حزبي منظم أي إلى جمعيات سياسية، المهم أن تترك بلا محاولات استقطاب فتوأد في مهدها، المهم أن تبتعد عنها الجماعات الهرمة المثقلة بإرث الماضي، المهم أنها ستكون الابن الشرعي لدولة القانون والمؤسسات والابن الشرعي لمملكة البحرين الدستورية، قوى سياسية معارضة خالية ونظيفة من إرث الصراع الأيدلوجي التقليدي بكل أنواعه، إرث صراع دويلات الإمامة أو الخلافة أو إرث فلول الماركسية والبعثية والقومية التي انضوت جميعها تحت عباءة الإمام وحاولت أن توهمنا أن هذا التنظيم هو وكيل العدالة الحصري، وأن أي فرد خارج تنظميه أو لو يقبل بالتبعية له فهو «مرتزق، موالٍ، جبان، غونغو... إلخ» وكان العمل السياسي ولد يوم ولدوا وسينتهي يوم ينتهون!
لا أمانع أن أنتظر عشر سنوات أترك هذه القوى أن تنمو وتتزاحم تزاحماً طبيعياً يشتد فيها عودها وتقوى وتكون شريكاً حقيقياً لحماية أمن واستقرار الدولة وحصناً مانعاً لسيادتها وكرامتها وعزتها، وأياً كانت شراستها فإنها ستكون شراسة على إدارة موارد الدولة لا على إسقاط هذه الدولة.
وبدعوتنا لحظر هذا التنظيم ننظف ونهيئ بيئة العمل السياسي ونفتح أبوابها وشبابيكها على نهوض قوى سياسية تتبنى التأسيس لمعارضة وطنية ديمقراطية تبني فكراً ونهجاً بناء تكون شريكاً بعيداً عن كل الأمراض والأوبئة التي تحملها تلك التنظيمات العابرة للقارات.
أما الشيعة فقد ولد التشيع وانتشر قبل أن تولد الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخدمها العرب أتباع هذا التنظيم، والبحرين والعراق ولبنان وكل الدول العربية احتضنت الشيعة كمواطنين لا كشيعة، وسيبقون كذلك دون مساس لا بهم ولا بمعتقداتهم كما كانوا دوماً، تحميهم الدولة ولا يحميهم هذا التنظيم، والتحريض لحظر التنظيم ومنعه وتطبيق القانون عليه لا يعني أبداً استهداف طائفة أو جماعة، إنه استهداف قانوني «لمجموعة» لا لجماعة ولا لطائفة، وهذا هو الفرق الذي تريدون أن تضللوا الناس عنه.