لعل أهم ما أعطى المنامة طابعها المميز الذي اشتهرت به منذ قديم الزمان هو قربها من «البحر»، فهو مصدر الخير الذي جلب الرخاء والازدهار للمنامة وللبحرين بصفة عامة، عن طريق الثروة السمكية والغوص على اللؤلؤ الطبيعي إلى جانب كون المنامة ميناء عالمياً لاستيراد وتصدير البضائع وهمزة وصل علمية لعبت دوراً مميزاً في التنوع السكاني الذي شكل النسيج الاجتماعي الفريد للعاصمة المنامة.
ويتمتع سكان محافظة العاصمة بعلاقات خاصة مع البحر فهو ملاعب طفولتهم ولهوهم البريء وملتقى الأصحاب والأصدقاء، وأعماقه مصدر الرزق، وهو ملهم الحكايات والأساطير في الذاكرة الشعبية البحرينية، وفي ارتياده قصص التعاون والتكاتف بين أبناء الوطن الواحد على اختلافهم.
غير أن التطور العمراني الكبير الذي أعقب الطفرة النفطية أخذ منا السواحل الذهبية الساحرة، وأثر سلباً على البيئة البكر التي ارتبط بها الناس، فابتعد البحر وتوارت شواطئه الجميلة خلف المباني الإسمنتية الزاحفة بلا رحمة لتبعد أمواجه، وصرنا نبحث عن منفذ للبحر فيتعذر علينا أحياناً في جزيرة جميلة كالنبيه صالح يحيط بها البحر من الجهات الأربع، واختفت شواطئ الغريفة والجفير التي شهدت أجمل ذكريات الآباء والأجداد، وابتعدت شواطئ أم الحصم والحورة والقضيبية ولم تعد صالحة للسباحة أو الصيد، وتغيرت معالم ساحل كرباباد، فيما لم تعد قرى السنابس والبلاد والزنج قرى بحرية.
وأمام هذا الواقع المر يصبح التفكير جدياً في تأهيل الواجهات البحرية للعاصمة وإنشاء المرافئ الحديثة أمراً ملحاً يتجاوز كونه ترفاً إلى كونه ضرورة لا غنى للمنامة بل للبحرين عنها إن أرادت تطوير اقتصادها وتلبية احتياجات مواطنيها وزائريها؛ فهي متنفس للمواطنين والمقيمين والسياح ومظهر جمالي وحضاري يعطي المنامة بصمتها المميزة، ومكان لإقامة الأنشطة والفعاليات وممارسة رياضة السباحة ومصدر رزق لا غنى للسكان عنه.
وحين رفعت محافظة العاصمة موضوع إنشاء 9 مرافئ وسواحل وتطوير الواجهات البحرية في العاصمة إلى الجهات المعنية وإلى المجلس التنسيقي بالمحافظة فإنها كانت تدرك مقدار الضرر الذي أصاب السكان والبيئة جراء الزحف السريع للإسمنت على سواحل المنامة، كما تدرك جيداً أن الفرصة لاتزال متاحة لتنفيذ خطة الحكومة لتطوير السواحل واستعادة مجدها وأهميتها في العاصمة الجديدة وأن الوقت لم يفت كي نرسم ملامح عاصمة الأجداد من جديد في أبهى صورة.
*محافظ محافظة العاصمة