«يعتبر الداعية الشاب أحمد الشقيري من أبرز الشخصيات الشبابية التي قدمت النموذج الوسطي للإسلام المعتدل والنظيف، وهي تجربة تستحق التأمل والتشجيع والدعم، لأنها قدمت تجربتها بعيداً عن كل النماذج المحلية والتقليدية».. هذا ما انتهينا إليه بالأمس، وأكدنا كذلك أن الشقيري قطع الطريق على كثير من المتطرفين الدعاة، ولم يحاك الإسلام السياسي كلياً طيلة المواسم الناجحة التي قدمها وقدم نفسه كداعية للشباب العربي والمسلم عبر وسائل الإعلام.
بداية من هو أحمد مازن الشقيري؟ هو إعلامي سعودي مقدم برامج معروفة ومضيف السلسلة التلفزيونية «خواطر» والمضيف السابق لبرنامج «يلا شباب». ألف برامج تلفزيونية حول مساعدة الشباب على النضج في إيمانهم وفي عملهم، وفي معرفتهم بالعالم، وبدورهم في جعله مكاناً أفضل. اشتهر الشقيري في السعودية والوطن العربي بعد سلسلة برنامج «خواطر» التي حققت نجاحاً كبيراً نتيجة بساطة أسلوبها ومعالجتها لقضايا الشباب والأمة، والتي كانت دائماً تبدأ بمقولته: «لست عالماً ولا مفتياً ولا فقيهاً وإنما طالب علم».
استطاع الشقيري أن يقرأ الحالة الشبابية في العالم العربي والإسلامي بطريقة متطورة، فعرف نقاط الضعف واكتشف نقاط القوة، وألم بكل الجوانب التي من شأنها الارتقاء بالشباب المسلم بعيداً عن كل الخرافات والمزايدات والعنتريات والأوهام، فكان رشيداً في طرحه معتدلاً في إيمانه متوازناً في آرائه، لهذا استطاع أن يكسب شريحة عريضة من الصغار والكبار، وتمكن أن يخلق صفاً واعياً من الشباب الذي يتحمل المسؤولية بعيداً عن سلطة الدولة والمجتمع وبقية السلطات الأخرى.
لم يغير الشقيري من طريقة حياته أو حتى من شكله الخارجي، فهو أصر على أن يكون لباسه لباساً شبابياً طبيعياً جداً كبقية أقرانه من الشباب، وأن يكون شكل وطول لحيته آخر اهتماماته، ولم يتصنع الوقار وهيبة الحكماء أثناء ظهوره، بل تحدث للجميع بطريقة عفوية وبسيطة، والأهم من كل ذلك أنه لم يعتل منبراً ولم يخطب في مسجد، ولذا دخل كل بيت واستولى على عقول كل الشباب من دون أن يستعمل أي من الأدوات الغليظة للدعوة التقليدية غير المنتجة.
استطاع الشقيري أن يتجاوز الخطاب الديني المتشنج وأن يطرح البديل بطريقة سلسة وغير معقدة، بعيداً عن الفوضى وكسر العظام، وحز الرؤوس، وقطع الأعناق بالسكاكين، وبعيداً كذلك عن الحرق والتكسير والتخريب والمفخخات وكل عناوين الضياع. استطاع الشقيري أن يقدم لجمهوره ذلك الإسلام القائم على التسامح والحب والبذل والعطاء وتقديم يد العون للآخر، والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى بطريقة جميلة جداً ومعتدلة للغاية.
ما ذهب إليه الشقيري هو ما ينبغي أن يطرحه كل الدعاة في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية، وذلك عبر حزمة من الاستراتيجيات الدعوية المتوازنة، والتي تخلو من كل أشكال التطرف والغلو، فالدعوة التي تقوم على الكلمة عادة ما تكون أفضل بملايين المرات من كل الدعوات التي تقوم على السيف، وهذا ما انتبه إليه الشقيري في خطواته نحو بناء مجتمع شبابي خال من التعسف والعنجهية وإراقة الدم الحرام.
لعل من أبرز العوامل التي أدت إلى تفوق الشقيري وارتفاع أسهم نجاحاته من بين بقية الدعاة هو ابتعاده الكلي عن السياسة وهمومها، ورفضه تبني المنهج الطائفي والمذهبي، ولو أراد النجاح والاستمرار في حصد نقاط مثيرة للحب والاهتمام فعليه أن يواصل بذات الطريقة التي هو عليها الآن.
نتمنى أن يخرج اليوم أكثر من «شقيري» حتى يقطعوا الطريق على كل متزمت أو متطرف يحاول أن ينشر الإسلام بحد السيف لا بوعي الكلمة، كما نتمنى من شبابنا أن يستفيدوا من التجارب الناضجة التي طرحها الشقيري عبر برامجه الهادفة، بعيداً عن كل الأطروحات التي ينتهج أصحابها من السياسة طريقاً وحيداً لهم من أجل الانتصار للفكرة أو يكون الدم عنوانها في كل مراحل الحياة، بعيداً عن الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.