ليس غريباً أن يهتم خادم الحرمين الشريفين خلال الأيام الماضية بالتطورات المتسارعة في منطقة الخليج العربي أو الأحداث الدامية في الشرق الأوسط.
فالمسألة اليوم تجاوزت مواجهة النفوذ الإيراني في الدول العربية، ووصلت إلى مواجهة الجماعات المتشددة والمتطرفة والإرهاب والإرهاب المضاد. صحيح أن هذه الجماعات لم تصل بعد إلى أراضي دول مجلس التعاون الخليجي ميدانياً، ولكنها موجودة أيديولوجياً، وعملت طوال الفترة الماضية على تجنيد المئات من شباب الخليج ليكونوا وقوداً لها في عملياتها التي تشنها من الأراضي العراقية مروراً بسوريا وصولاً إلى الحدود التركية.
خادم الحرمين الشريفين أعلن اهتمامه بقضيتين تعتبران من الأولويات، وهما الأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين الأبرياء، وقضية تزايد نفوذ الجماعات الإرهابية على غرار داعش التي جاءت كنسخة مطورة من تنظيم القاعدة الإرهابي.
بالنسبة للقضية الفلسطينية والعمليات الإسرائيلية في غزة، فإنه من المؤسف له للغاية أن يتم استغلال جراح ودماء الفلسطينيين في تصفية حسابات سياسية بين جماعات سياسية وبين حكومات لها أجندات ومصالح وليس لديها أدنى اهتمام بالضحايا الأبرياء من الفلسطينيين، بل وصلت المزايدات إلى حد الاتهام الفج بأن «السعودية تقف وراء هجمات إسرائيل على الفلسطينيين!».
دماء الفلسطينيين ليست دماً قابلاُ للتفاوض أو النقاش أو الجدل أو المزايدات أو حتى السفسطة، بل هو دم ثمين ولا يوجد ما يمكن أن يعوضه باعتباره دماً عربياً مسلماً، ومن يُرخِّص هذا الدم فإنه يحتقر هويته العربية الإسلامية، ويُنكر إنسانيته إذا كانت فيه إنسانية. وبالتالي لا توجد أي مبررات عندما يكون الحديث عن سبيل من أجل إيقاف نزيف دم الفلسطينيين لأن الموضوع هنا محسوم.
أما القضية الأخرى التي باتت في محور الاهتمام بالنسبة لخادم الحرمين الشريفين فإنها قضية تصاعد التطرف وتزايد نفوذ الجماعات المتطرفة التي باتت على أعتاب دول مجلس التعاون الخليجي.
خادم الحرمين الشريفين من أكثر القادة العرب اليوم خبرة في التعامل مع قضايا التطرف والإرهاب نظراً لتوليه مسؤوليات هامة في بلاده للقضاء على تنظيم القاعدة الإرهابي عندما غزا الأراضي السعودية وقام بعملياته الإرهابية الشهيرة، وحقق إنجازات غير مسبوقة حتى قضى على التنظيم وبقت فلول منه مبعثرة تسعى للهرب.
بهذه الخبرة الفريدة يهتم الملك عبدالله بن عبد العزيز بقضايا التطرف والإرهاب، لأنه يؤمن بأن انتشار الجماعات المتطرفة يعني ظهور فتن مقبلة أكثر من الفتن التي يعيشها أهل الخليج اليوم. ولابد من التحرك السريع، وأول المسؤوليات المطلوبة تفعيل دور علماء الدين الذين تحول بعضهم إلى أدوات من أجل تجنيد الشباب للجماعات المتطرفة، بدلاً من أن يكون دورهم مغايراً لذلك، ويكون دوراً فعّالاً من أجل التوعية بمخاطر التطرف ونبذ الأفكار السياسية التي صارت جزءاً من الدين لدى البعض، وصارت الأيديولوجيات المتطرفة عند البعض من المقدسات الدينية.
مستقبل المنطقة حسب رؤية خادم الحرمين الشريفين قيد التشكيل، ونهاية الهجمات الإسرائيلية على غزة بما تمثله من محورية للقضية الفلسطينية، وامتداد الجماعات المتطرفة إلى حدود دول مجلس التعاون الخليجي عوامل هامة ستساهم في تشكيل هذا المستقبل الذي نعيشه يوماً بيوم.