تضيع الدول حينما تطغى المصالح الشخصية على المصلحة العامة.
هذا معيار ثابت، معني بانحراف الأهداف وتحولها لأهداف مفصلة على قياس أشخاص، تحقيقها لا يؤثر إلا بالسلب على البلد، لأنه في المقابل لا تتحقق على العموم، وعليه تكون أهدافاً فئوية شخصية حزبية ضيقة .. إلى آخرها من تصنيفات.
عندنا مفاهيم ضائعة، نوردها كشعارات وكمحسنات لفظية فقط تستخدم في عناوين وصلب الأخبار والتصريحات، لكننا لا نؤمن بها، والدليل أن الأفعال لا تواكب الأقوال، بل هي تثبت العكس.
البحرين ليست جنة الله على الأرض، وليست في المقابل بلد خرب لا صلاح فيه، هناك إيجابيات عديدة يمكن لها أن تعزز ويمكن أن تزداد في عددها، لكن شريطة أن تكون على حساب العمل على تقليل السلبيات والسعي لإنهائها.
كلمة «المصلحة العامة» يكاد كل وزير ومسؤول ونائب وغيرهم ممن يعدون في مصافهم من أصحاب مسؤوليات قد كرروها في تصريحاتهم وأقوالهم مئات المرات. لكن هل كان إيرادها يأتي بنتيجة؟! بل هل كان يستتبع هذا القول عمل يثبت بأن مطلقيها ومستخدميها بالفعل يسعون لتحقيق المصلحة العامة؟!
الأمثلة كثيرة، فكم من وزراء ومسؤولين أدوا قسماً بأن يعملوا لأجل المصلحة العامة، ثم اتضح بأن العمل الذي يقوم به بعضهم (لا كلهم) هدفه مصلحة خاصة، وتثبيت أقوى على الكرسي، وضمان للمستقبل، والمصلحة العامة تقف في آخر الطابور؟!
كم من نائب حلف اليمين وأقسم أمام الناس بأنه سيترشح سعياً للمصلحة العامة، ثم بعد وصوله الكرسي، رأينا بأن المصلحة العامة لا وجود لها، بل هي مصلحة خاصة جداً؟!
كم من جمعية سياسية باختلاف تلاوينها وانتماءاتها وقناعاتها قالت بأن حراكها هدفه المصلحة العامة، لكن اتضح بعدها بأنها مصلحة خاصة ومصلحة غير معنية بعموم الوطن والمواطنين؟!
المصلحة العامة أصبحت كما «العلك» الذي يمضغ في البداية ويرمى في النهاية. إن أرادوا تقوية مواقفهم والدفاع عن استراتيجاتهم وطرائق عملهم قالوا مصلحة عامة، وإن أرادوا الدفاع عن أنفسهم أمام أي انتقاد اعتبروا النقد تطاولاً على المصلحة العامة وسعياً لضربها.
مثلما تمت المزايدة على الوطن بالوطنية من قبل كثيرين أفعالهم لا علاقة لها بالوطنية، تتم المزايدة بشعار المصلحة العامة وكأن من ينتقد الفعل الخاطئ هو ضد هذه المصلحة، وكأن من يشير لمواقع الخلل هو ضد المصلحة العامة، وكأن من يريد تصحيح المعوج هو ضد المصلحة العامة.
هؤلاء للأسف هم من يضربون المصلحة العامة في مقتل، حينما يفصلونها بحسب قياسهم، وحينما يعتبرون أن عملهم هو المصلحة العامة بعينها، وأنهم هم عرابو هذه المصلحة، وهم الأوصياء عليها، بينما أفعالهم وتصرفاتهم كلها معنية بالمصلحة الخاصة، والمكاسب المرحلية، وما تحققه اليوم لتضمن به يوم غد.
يكفي لعباً في مقدرات البلد بذريعة المصلحة العامة. يكفي تعطيلاً لكثير من الأمور بذريعة المصلحة العامة. يكفي تغاضياً وتجاوزاً عن المخطئين للبلد بتنوع الأخطاء والتجاوزات بذريعة المصلحة العامة.
تحقيق المصلحة العامة للبلد يأتي عن طريق التجرد من الذات، عن طريق تقديم مصلحة البلد وأهله على المصالح الخاصة. والأهم تأتي من واقع قناعة بأن المصلحة العامة هي أساس كل شيء، ومن لا يعمل لأجلها لا يستحق حتى أن يوردها على لسانه ويدعي أنه يقاتل لأجلها.
كفوا الأذى عن هذا البلد وأهله باستغلال هذه الشعارات، استغلالاً بشعاً بأسلوب «كلمة حق يراد بها باطل».