هل تصدقون هذه المسيرات المعادية لإسرائيل والمؤيدة لفلسطين التي خرجت في ليالي رمضان من أجل فلسطين؟ وهل تعتقدون أن أمريكا قد تتسامح مع من يعادي إسرائيل أو يهدد أمنها؟ وهل تصدقون من يهدد إسرائيل بالزوال ثم يعمل على زوال دول عربية أنه قد ينتصر يوماً لقضية عربية؟ إنهم أولئك الذين خرجوا في وقت واحد من الدول نفسها التي تعاونت على إبادة العرب واستبدالهم بالفرس في العراق وسوريا، وتريد أن تفعل الشيء نفسه في البحرين، هذه الدول التي تعادي إسرائيل إعلامياً وتتفق معها استراتيجياً وعملياً، وإلا لما استطاعت هذه الدول ومنها إيران والعراق أن تقوم لها قائمة ولا يستتب لها حكم.
وها هم أنفسهم في البحرين يخرجون في المسيرات وفي نفس التوقيت وتحت شعار «القدس لنا»، ويرددون نفس الهتافات «الموت لإسرائيل الموت لأمريكا»، في الوقت الذي يحج قادة هذه المسيرات إلى الكونغرس الأمريكي طوال أشهر السنة، بعدما أصبحت أمريكا وجهة لهم بعد العراق وإيران، كما حج لها روحاني والمالكي، أصحاب هذه المسيرات التي تردد «القدس لنا»، سنقول لهم ماذا صار لأهل القدس في العراق على يد الميليشيات التابعة لإيران.
أعلن قاسم محمد، مدير مركز حقوق الإنسان والدراسات الديمقراطية، أن «عدد من قتل من الفلسطينيين في العراق على يد جيش المهدي وفيلق بدر الإيراني خلال عامي 2006-2007 يفوق عدد قتلاهم على يد اليهود في فلسطين خلال الفترة نفسها، وأن أقل التقديرات هي 900 قتيل، غير المعتقلين والمهجرين الذين فاق عددهم الآلاف.
وقد ذكر عزالدين محمد، مؤلف كتاب «اللاجئون الفلسطينيون في العراق»، أن قتل الفلسطينيين كان يتم عن طريق ميليشيات مسلحة معروفة تنتمي إلى أحزاب مشاركة في البرلمان، وبعد كل المحاولات والمناشدات، قرروا تشكيل وفد شعبي فلسطيني برئاسة الشيخ توفيق عبدالخالق للذهاب إلى مقتدى الصدر، وبعد أن قدموا إليه وشرحوا حالتهم ليلتمسوا حمايته من ميليشياته، اقترح عليه الشيخ توفيق أن يكون التوجيه صادراً من مقتدى عن طريق خطب الجمعة، ورد عليه مقتدى «يجب أن تصبروا على إخوتكم، وأن تظهروا لهم حسن نواياكم وذلك بكتابة البيانات المنددة بالأعمال الإرهابية ليذهب الغل الذي في قلوبهم عليكم حتى أستطيع أن أقف بجانبكم، وحتى لا يقال إنني وقفت ضد العراقيين».
وقدم له الوفد هديته، وهي عبارة عن صورة كبيرة للمسجد الأقصى ونسخة من القرآن الكريم، وبعد عدة أيام من الزيارة يفاجأ أهل فلسطين بخطف الشيخ توفيق ويتم بعدها العثور على جثته في مستشفى الكاظمية، وعليها علامات الجلد والتعذيب، كما اتهم رئيس كتلة فتح بالمجلس التشريعي، السفير الفلسطيني السابق بالعراق عزام الأحمد، هذه العصابات باستهداف الفلسطينيين لأسباب طائفية قائلاً: «إن القوى العراقية القادمة من إيران وتحديداً المجلس الأعلى للثورة الإسلامية قد ارتكبت أعمال قتل ضد الفلسطينيين ليس بسبب سياسي بل نتيجة التعصب ضد الفلسطينيين والعرب عموماً».
وها هو عيسى قاسم يؤكد أن يوم القدس لم يكن من وحي فلسطيني ولا عربي؛ بل من وحي فارسي لم يسقط له شهيد في القدس ولا في أي دولة عربية، ففي أحدى خطبه في 20 أكتوبر 2006 يقول: «إنه يوم من تخطيط قائد عظيم أراد ألا تكون القضية رهن الإرادة الخائرة لتلك الأنظمة الرسمية»، كما قال عيسى قاسم عنه أيضاً إنه «وقف مع القضية الفلسطينية وهو الشيعي الإيراني الوقفة الصادقة في دوره الفقهي والثوري».
أما خامنئي فهو الآخر يرفع راية القدس ويقول: «إن الطريقة الوحيدة لمواجهة إسرائيل هي مواصلة النضال المسلح، والحل الوحيد الفعلي هو زوال إسرائيل لكن لا يعني القضاء على الشعب اليهودي، وإن مسألة القدس هي مسألتنا الاستراتيجية، فالقدس لنا مثل مدينة طهران ومشهد إنها بيتنا»، ثم يشرح شكل الدولة الفلسطينية فيقول «وطبعاً أهلها ليسوا كلهم من المسلمين ويمكن أن يتعايش المسلمون والنصارى واليهود مثلما يعيشون بأمان في ظل الجمهورية الإسلامية سوف يعيشون في ظل الحكم الإسلامي للقدس».
إذاً هذا الضجة المفتعلة ليس من أجل فلسطين ولا من أجل العرب؛ بل من أجل إيران، فما تقوله إيران يقولونه وما تأمر به يفعلونه، وها هو الديهي نائب أمين عام الوفاق يقول في ما يسمى بمهرجان القدس ويؤكد ما أكده قاسم بقوله «إن الإمام روح الله الخميني أطلق صرخة مدوية في زمن الصمت والخنوع من خلال دعم قضية القدس وإطلاق يوم القدس العالمي»، إذاً الدعوة إيرانية والقضية عربية فالمسألة فيها «إن»، أي أن فلسطين، كما قال خامنئي، كطهران ومشهد.
ولكن ليعلم هؤلاء الذين يرفعون راية فلسطين، بأن فلسطين فتحها عمر ولن يحررها إلا أحفاد عمر، إنهم أولئك الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عنهم «الظاهرين على الحق»، وإن الظاهرين على الحق لا يمكن أن يكون منهم من دعا الله بأن يمزق ملكهم.