ليس خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالرجل الغضوب؛ فهو الحلم متجسداً في شخص إنسان، لكن ما صار يراه يومياً من مشاهد تسيء إلى الإسلام تجعله يغضب بل يغضب بشدة، فهو المعني الأول بشؤون الإسلام وهو القائد العربي الذي يمتلك القرار.
عندما يرى جلالته مشاهد القتل من غير وجه حق وبصورة مخالفة لشرع الله جل وعلا فلابد أن يغضب، وعندما يرى مشاهد انتقام المسلمين من المسلمين بتلك الصورة البشعة لاختلافات سياسية فليس أمامه سوى الغضب، وعندما يرى كل هذا الاستغلال الفاحش للدين واتخاذه ستاراً لتحقيق مآرب أخرى فليس أمامه سوى الغضب والعمل بقوة على وضع نقطة في نهاية هذا السطر المخيف، ذلك أن كل هذا الذي يحدث في بلدان مختلفة من البلاد العربية والإسلامية لا علاقة له بالإسلام، فالإسلام بريء منه، لكنه يؤثر على صورته سلباً ويظهره أمام العالم بمظهر الوحشي الذي ينبغي أن يرفض، وفي هذا ظلم وأي ظلم لدين الله.
ما يجري اليوم في البلاد العربية من أعمال قتل وتدمير واعتداء على الإنسانية والبراءة ليس من الأخلاق وليس من الدين الإسلامي، ما يعني أنه يستدعي من يغضب لهذا الذي يحدث ولكن ليس أي غضبة. غضبة تجعل المعتدين ينكمشون وتجعل العالم كله يشعر بها ويؤيدها.
ما حدث أخيراً هو الآتي؛ انتشرت صور عديدة من الفتنة ونمت عندما وجدت لها أرضاً خصبة وحضناً دافئاً في العالمين العربي والإسلامي، وانتشرت هذه الصور بعدما سهل لها المغرضون الحاقدون على الأمة كل ما يعينها على الانتشار والنمو والتحرك بحرية حتى وصلت إلى حالة من الوهم جعلت من يقف وراءها يعتقدون أن عودهم قد اشتد وأن شوكتهم قد قويت.
فإذا أضيف إلى كل هذا المشهد الذي قرب أن يصير اعتيادياً في سوريا والعراق ووصل حداً لا يطاق، ما يحدث اليوم في غزة من قتل وتدمير وإزهاق للأرواح البريئة بحجج واهية، فإن مثل هذه الغضبة صار لا مفر منها لأن السكوت عن كل هذا الذي يحدث أياً كانت الأسباب والظروف يعني المشاركة في الإساءة إلى الإسلام وإلى كل ما يمت بصلة إلى هذا الدين الحنيف، خصوصاً وأن كل تلك المخالفات والتجاوزات تتم باسم الدين.
ما تفضل به الملك عبدالله من أن صمت المجتمع الدولي عن أحداث المنطقة من شأنه أن يخرج جيلاً لا يؤمن بغير العنف هو رسالة واضحة إلى كل دول العالم ملخصها أنهم سيصيرون بعد قليل ضحايا هذا الناتج الذي أهملوه وشاركوا بسكوتهم عنه في تنميته، وهو رسالة آمرة لعلماء الأمة الإسلامية جميعاً من دون استثناء للوقوف في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم على أنه دين التطرف والكراهية والإرهاب.
إنها غضبة راعي الدين الذي لم يكن طوال الفترة الماضية ساكتاً ولكن مراقباً وملاحظاً وساعياً إلى معالجة الأمور بروية اعتادها وعرف بها. غضبة لابد أن تجد صداها في العالم أجمع وتجد الاهتمام من قادة وعلماء الأمة الإسلامية الذين وجه إليهم خادم الحرمين الشريفين حديثه مباشرة ودعاهم للقيام بواجبهم تجاه الحق جل جلاله، وأن يقفوا في وجه من يحاولون الإساءة للإسلام بعرضه بهذه الصورة الكريهة، والتي لا يمكن أن تعبر عنه، فالإسلام هو دين السماحة والمحبة والعدل ولا يمكن أن يصدر من دين هذه أساساته مثل تلك الممارسات.
كلمة ابن عبدالعزيز هذه ليست مجرد خبر يتم تداوله من قبل الإعلام العربي وينتهي بعد قليل، فهذه الكلمة الغاضبة إنما هي صرخة مدوية لن يهدأ بال مطلقها إلا بعد أن توضع الأمور في نصابها.