كتب - علي الشرقاوي:
تعودنا الكتابة عن الشعراء والروائيين والفنانين المسرحيين والتشكيليين، لكن قليل منا من كتب عن الحقوقيين الذين حولوا الكلمات إلى أفعال، تركض بين الناس، لتبعدهم عن جميع أصناف الإيذاء الجسدي أو النفسي أو الروحي. ونحن هنا، سنحاول الدخول في عالم أحد الحقوقيين الذين أثروا حياتنا بعطاءاتهم، وبدون ادعاء، وبعيداً عن الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، سأتكلم عن الصديق الحقوقي سلمان كمال الدين «بو أنس»، الذي عرفته منذ أكثر من أربعين سنة، ومازلنا نعيش نفس الحلم بحياة أفضل للإنسان البحريني والشعب البحريني بكل طوائفه وكل أطيافه.
فمن هو سلمان كمال الدين هذا. إن أي إنسان قرأ شيئاً عن الحركة الوطنية في البحرين ـ يعرف اسم السيد علي كمال الدين الوطني الأب.. يقول باحث بحريني إن:» السيدعلي بن إبراهيم كمال الدين «1907 – 1974» واحد من قادة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينيات، التي نعيش هذه الأيام ذكرى تأسيسها. ورجال هيئة الاتحاد الوطني «1954 – 1956»، لم يكشف دورهم الوطني بعد، والمكتبة التاريخية البحرينية تعاني نقصاً حاداً في تناول الدور السياسي لزعماء حركة النضال الوطني لأسبابٍ متعددةٍ وقد تبدو معروفة».
ولدت هيئة الاتحاد الوطني في بداية الأمر كطرف وسيط لاحتواء مأزق التناحر الطائفي الذي حصل في موسم عاشوراء سبتمبر 1953، لكنها تحولت فيما بعد جبهة ائتلاف وطني لمقاومة الإنجليز والمطالبة بالإصلاح السياسي. وقد طالبت الهيئة حسبما يذكر الباكر بـ «تأسيس مجلس تشريعي يمثل أهالي البلاد من خلال الانتخاب الحر، وضع قانون عام للبلاد جنائي ومدني على يد لجنة من رجال القانون يتماشى مع حاجاته وتقاليدها المرعية على أن يعرض هذا القانون على المجلس التشريعي لإقراره، وقد كان هذا القانون يستهدف: إصلاح المحاكم وتنظيمها وتعيين قضاة ذوي كفاءة يحملون شهادات جامعية في الحقوق. والسماح بتأليف نقابة للعمال ولأصحاب المهن الحرة تعرض قوانينها ولوائحها على المجلس التشريعي لإقرارها، تأسيس محكمة عليا للنقض والإبرام مهمتها الفصل في الخلافات التي تطرأ بين السلطة التشريعية والتنفيذية».
بعد انفجار الصراع الطائفي وضمن مساعي عبدالرحمن الباكر «ت 1971»، لاحتواء الفتنة، قصد الأخير الوجيه منصور العريض طالباً منه التدخل لإنقاذ الموقف وتهدئة الشيعة، فأجابه العريض، إن:»الشخص الوحيد القادر على التغلغل في نفوس الشيعة والتأثير فيهم وصاحب الكلمة النافذة هو السيد علي كمال الدين فاذهب له وفاتحه في الأمر»… وهذا ما حصل».
النعيم أم السفن
الحديث عن سلمان كمال لابد أن يجرنا إلى الحديث عن منطقة النعيم في المنامة، فهو ابن النعيم الساكن في كل ذرة هواء منها، فهي تقع غربي المنامة، وتعتبر من أكبر مصانع السفن الشراعية في الخليج العربي.
طلبة البحرين بدمشق
في أول زيارة لي إلى دمشق مع الأصدقاء الطلبة إبراهيم أحمد الذي كان في كلية اللغات يدرس الإنجليزية والفرنسية وإبراهيم رضي الذي كان يدرس التجارة في بغداد عام 1969، سكنا إن لم تخن الذاكرة في فندق السويس، ولأننا طلبة فمن الطبيعي أن نمر على أصدقائنا الطلبة الذين يدرسون في دمشق، والمكان الطبيعي لهذا اللقاء هو مقر رابطة طلبة البحرين في دمشق في منطقة الصالحية، هناك التقيت بالطالب محمد حسن كمال الدين الذي كان يدرس الأدب العربي في جامعة دمشق، وكطلبة نحمل هموم الوطن، فقد تناقشنا حول الكثير من الأمور الطلابية وعن ضرورة وحدة الطلبة في الخارج وأهمية أن يكون هناك اتحاد طلابي يجمع الطلبة ويوحد مطالبهم الطلابية، ولارتباط كل منا بكتابة الشعر، ومن الطبيعي إننا تحدثنا عن قضية الشعر وأهميته في التعبير عن هموم المواطن البحريني.
في نفس المقر طبعاً التقيت بالعديد من الطلبة منهم جواد العكري، وعبدالعزيز أبل، وفؤاد شهاب، وجعفر شبر، وإبراهيم كمال الدين، الذي كان يدرس طب الأسنان، وغيرهم من الطلبة الذين لا تحضرني أسماءهم. وبعد فترة التقيت بسلمان كمال الدين الذي كان يدرس العسكرية، مع زميليه عبد الوهاب بو كمال، وطارق عبدالكريم، أما المرحوم علي الحداد فقد أنهى دراسته في العراق. وأحد أحلامي كانت أن أرى شباباً بحرينيين يدرسون العسكرية، فقد كنت وأنا في الصف الخامس ابتدائي أتمنى أن أكون ضابطاً أخدم بلادي وأحميها من الغزاة. وفرحت في أن أرى أبناء بلادي يقومون بهذه المهمة عني من أجل حماية الأرض التي نعشق والشعب الذي له ننتمي. شعرت وأنا أتحدث مع الأخ سلمان كما الدين، إنني التقي بشخصية بحرينية فذة حالمة في أن ترى البحرين، وكنت أعرف إن الشبل سلمان ابن الأسد السيد علي كمال الدين الذي ظل اسمه يتردد في كل مكان نذهب إليه.
لجنة عمال وزارة الصحة
بعد إضرابات مارس عام 1972، العمالية، اعتقلت من الشارع وأنا ذاهب من الحور لزيارة بيت أختي في فريج الفاضل، وفي السجن التقيت بمجموعة من عناصر اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال وأصحاب المهن الحرة في البحرين منهم عباس عواجي، ويوسف يتيم، وعرفت بعد ذلك أن سلمان كمال الدين الذي كان عائدا من دمشق إلى البحرين، فأخذ من المطار إلى سجن القلعة. المهم أنه بعد خروجنا من السجن، تقرر أن يكون هناك تواصلاً بين الدكتور علي فخرو وعمال وزارة الصحة والعمل على تحقيق مطالب العمال المشروعة في تثبيت عمال رش الملاريا وزيادة الرواتب وتحسين أوضاع السلامة في العمل. وكان من أعضاء اللجنة كل من شاكر عبدالله عقاب، ونصر معيوف، وعباس البحاري، وأحمد منصور، وفاطمة غلوم، وعلوي شبر، وسلمان كمال الدين، وحبيب مرهون، وربما هناك أسماء لا أذكرها الآن.
كان سلمان كمال الدين واحداً من الأشخاص الذين عملت معهم، وكانت اللحنة ترى أننا في مجال عمل مغاير عن الشركات، فوزارة الصحة نموذجاً مختلفاً عن الشركات الكبيرة والمصانع التي لها طابع مغاير، رفضنا رفضاً تاماً ما يدعى بالإضراب المفتوح، لذلك عملنا على أن يكون الإضراب محدداً، يبدأ في وقت محدد وينتهي في وقت محدد، وليس في كل الدوائر، فنحن لا يمكن أن نوجه للإضراب في قسم العمليات الذي يتعامل مع أصعب الحالات التي يحتاجها المريض، ولا في قسم المختبر المرتبط ارتباطاً مباشراً والمرضى في العناية القصوى، أو مرضى الحوادث، لذلك ركزنا عملنا على أن يكون دوام لبعض الممرضين في المراكز الأساسية، ومن الممكن استمرار الإضراب وقت أطول في الموصلات والصيانة وغيرها.
كان سلمان كمال الدين واحداً من العناصر التي حولت لجنة عمال الصحة إلى شكل من أشكال النقابات وإن لم تكن تحمل اسم النقابة، ولذلك حينما اتصل بي على شكل فردي بعض أعضاء لجنة عمال الصحة، لتشكيل نقابة وزارة الصحة، رفضت الانضمام لهم وكذلك فعل سلمان كمال الدين، لأننا كنا نرى في اللجنة هو الخيار الأمثل، في تلك الفترة، لتحقيق المطالب العمالية لوزارتنا.
في سجن جدة
التقيت بسلمان كمال الدين في سجن القلعة، ثم عدة مرات في سجن جزيرة جدة، وكنا نواصل حديثا لا ينقطع. ولأنني صاحب مشاريع لا تتوقف، فقد قررت أن أقوم بتجميع الألعاب الشعبية، من خلال المعتقلين والمساجين، فالألعاب الشعبية لم تكن مجمعة في تلك الفترة، إضافة إلى ترجمة رباعيات مالاوية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية، قدمها مدير السجن سميث إلى الصديق الشاعر قاسم حداد بعد أن عرف أنه شاعر، ولأن قاسم لم يكن مهتماً بقراءة الشعر باللغة الإنجليزية، هو لم يعرفها في تلك الفترة، تلقفت الكتاب وقمت بترجمة 150 رباعية جميلة، طبعاً استعنت بهذه الترجمة بزملاء الزنازين وهما الصديقان يوسف يتيم ويوسف العجاجي، ولكن لم تخرج من هذه الرباعيات إلى خارج السجن إلا خمسة وثلاثين رباعية والباقي ضاعت في جدران جدة، المهم الذي أريد أن أتحدث حوله، هو أنني عندما كنت أبحث في تدوين الألعاب الشعبية، كان الأخ سلمان الدين، من أهم الأشخاص الذين زودني بمجموعة من الألعاب والأغاني التي كان يرددها أطفال الخمسينات وقد استفدت بعد ذلك في تضمين بعض الأغاني التي كتبتها لمسابقات رمضانية التي كتبتها لتلفزيون البحرين ومنها:»غزاله غزلوك، في الماي كعبلوك». وأخرى: «تسبحي في البمبوع يا الغيلمه»، وأغاني وألعاب أخرى لا أتذكرها الآن.
في صفوف المقاومة
أيلول الأسود «حكاية هزيمة»، في لقاء أجراه غسان سرحان ونشر في العدد الرابع يونيو 2013، من نشرة صوت البحرين من أجل فلسطين الأرض والإنسان، نحاول أن ننقله كاملاً، من اجل إلقاء بعض الضوء على تجربة الحقوقي الكبير سلمان كمال الدين، في بديات أيلول كان ظلاماً دامساً...وسماء قاحلة تلك التي تخفي خلفها نصف القمر... وحفيف أشجار السفرجل يبتلع خطواتهم الخبيثة... رائحة الضوء كريهة... وما زال هنالك طعم للقنبلة... هي لحظة قاسية وصدام دام تركزت فصوله الأعنف في أيلول الأسود. وسلمان كمال الدين كان شاهداً على المذبحة.
شاركت في العام 1970 في حرب أيلول الأسود في الأردن إلى جانب المقاومة الفلسطينية، كيف تصف بدايات انضمامك لصفوف المقاومة؟
«وقتها كنت أعمل في الجيش العربي السوري ضابطاً برتبة ملازم، وعندما بدأت الحرب في الأردن تدخل اللواء العاشر السوري لنصرة المقاومة الفلسطينية حينها طلبنا مقابلة وزير الدفاع السوري آنذاك الفريق حافظ الأسد، وكان معي زميل ورفيق من عمان، هو المرحوم الملازم حسين عوض، وطلبنا من وزير الدفاع بأن يسمح لنا بإجازة وأن نلتحق مع المقاومة الفلسطينية لنصرتها، لكنه اعترض بقوله: «المقاومة فيها الخير والبركة وأنتم الضباط العرب كونوا ذخراً لبلدانكم»، لم نتردد طويلاً حيث قدمنا استقالتنا من الجيش العربي السوري والتحقنا بطلائع حرب التحرير الشعبية «قوات الصاعقة»، واستدرك قائلاً «وهو التنظيم الذي كنا نواة تأسيسه في العام 66، وكان مدعوماً من حزب البعث العربي الاشتراكي مادياً، بل لقد كان قوامه الأساسي من أعضاء الحزب»، وواصل حديثه «لقد تسللنا للأردن بعد الاستقالة من الجيش العربي السوري عن طريق الحدود السورية، لأصبح قائداً ميدانياً لكتيبة كان قوامها 97 مقاتلاً من المتطوعين الفلسطينيين والعرب».
تجربة أيلول الأسود
«تجربة أيلول الأسود كانت تجربة قاسية ومريرة حيث العادة نتوجه لمقاتلة العدو الرئيس للأمة العربية وهو الاحتلال الصهيوني، لكننا فوجئنا بأن بعض العرب هم أشد عداءً للمقاومة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني المشروع في العودة والتحرير من الصهاينة» وأكد كمال الدين أن المعارك كانت شرسة «لقد كان القتال طوال أيلول شرساً وعنيفاً، وكان من أهم أسباب ضعف المقاومة الفلسطينية هي أنها كانت تقاتل مجزأة غير موحدة، ما أدى إلى الهزيمة، بالرغم من انضمام لواءين من ألوية الجيش الأردني، هما لواء الحسين، ولواء الأمام علي، بكامل قواتهما وأسلحتهما إلى المقاومة الفلسطينية» مستذكراً أحد قادة اللواءين العقيد «سعد صايل» حيث قال «لقد سجل سعد صايل ورفاقه في اللواءين ملحمة بطولية نادرة من خلال رفضهم أن يكونوا أداة قتل أبناء شعبهم».
انتهاء المعارك
«في منتصف أيلول اشتدت حدة المعارك وتدخل القادة العرب، وعلى رأسهم الرئيس جمال عبدالناصر للتوسط بين المقاومة الفلسطينية والقيادة الأردنية، لكن الموت عاجل الرئيس جمال عبدالناصر في ذلك العام، وكان وقتها منهكاً بالهم القومي وما آلت إليه حال القضية الفلسطينية، حيث أدركه الموت وانتقل إلى بارئه حاملاً الغصة والغبن لظلم ذوي القربي لبعضهم».
وقال كمال الدين «الحقيقية أن موت الرئيس جمال عبدالناصر المفاجئ سبب صدمة نفسية للمقاتلين، وأصبحت الساحة الأردنية، خصوصاً المقاومة الفلسطينية مكشوفة الغطاء، ما أتاح المجال للقوات الجوية الصهيونية لدك مفاصل المقاومة الرئيسة، إضافة إلى اعتقال شخصين من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من قبل القوات الأردنية، الذين بدورهم ظهروا على وسائل الإعلام الأردنية يعتذرون عما جرى، مما سبب انهياراً في معنويات قوات المقاومة الفلسطينية، الذي أدى بدوره إلى تفتت قوات الفصائل المقاومة الفلسطينية حتى وصل عدد المقاتلين تحت أمرتي إلى ما يقارب 300 مقاتل من عدة منظمات مختلفة، وبدأنا الاستعداد للانسحاب من الأراضي الأردنية».
واصل أبو أنس كلامه بنوع من الحزن قائلاً «لم ينته أيلول الأسود إلا وقد أخلينا الساحة الأردنية بهزيمة ومجزرة بشعة فاق عدد ضحاياها الـ 25 ألف فلسطيني وبعض المقاتلين العرب».
تقييم التجربة
«الحقيقة أن المقاومة الفلسطينية لم تنظر إلى تجربة أيلول الأسود بالمراجعة الدقيقة والصادقة وكان هناك من الأخطاء التي لابد من ذكر بعضها، خصوصاً حين كنا داخل الأرضي الأردنية وأثناء المعارك، فلقد كانت إحدى المنظمات الفلسطينية تقوم بممارسات خاطئة، حيث لدى بعضها أجهزة متخصصة في سرقة سيارات وبعض ممتلكات ضباط ومنسوبي الجيش والداخلية الأردنية، كذلك وقعت تعديات من بعض منتسبي هذه المنظمات على ممتلكات المواطنين الأردنيين، فلقد بلغ أثناء الحرب في أيلول الأسود عدد السيارات التي سرقت وهربت من الأردن عبر الأراضي السورية ثم إلى لبنان أكثر من 5000 سيارة، هذه الممارسات وغيرها من التصرفات الخاطئة البعيدة عن روح المقاومة الحقيقية التي ارتكبتها بعض المنظمات الفلسطينية قبل حرب أيلول وأثنائها هيأت الأجواء الشعبية والرسمية لكي تتقبل هذه الصدام الدامي» ومن ثم الهزيمة».
مجلة العروبة
سلمان كمال كان واحداً من أعضاء هيئة تحرير مجلة العروبة التي تصدر عن نادي العروبة منذ تأسيسها، فقد صدر عددها الأول ديسمبر عام 1988، ومازالت مستمرة في عطائها، محاولة أن توسع من رقعة الإضاءة في مجتمعنا الذي لا يكف عن الولادات المتنوعة، إضافة إلى نشاطه الكبير وعلى مدى عقود في اللجنة الثقافية لنادي النعيم الذي عمل طويلاً في المجال الثقافي والفني والحقوقي.
الوطن فوق الطوائف
دائماً ما يؤكد سلمان كمال الدين في كل اللقاءات التي نلتقيه هنا وهناك في البحرين، إن الوطن فوق الجميع، الوطن فوق المذاهب، الوطن هو المعنى لوجودنا، في مقال له تحت عنوان التطرف فكر أم ظاهرة نشره في العدد السادس من مجلة العروبة ديسمبر عام 1993، يقول الكاتب والمفكر سلمان كمال الدين:»ماذا نسمي انسياق المجتمع نحو تقسيم طائفي وصل حتى الجماعة الواحدة ؟ ماذا نعلل التشهير والتكفير المتبادل حين الاختلاف في وجهات النظر؟ وماذا نقول عمن يحرم على غيره ما يمليه على نفسه. وكيف نفسر ظواهر تغليب المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية في كل المجالات؟ أليس هذا يعني بأن شرائح كبيرة من المجتمع الذي عرف بروح التسامح والمحبة قد بدأت تتوغل في النفق المظلم، الذي رج بعد هذه التوليفة مارد اسمه التطرف ينتقم من الحلقات التي تشكل منها، وبالتالي فالضحية هو الوطن بكل مقوماته الحضارية والأخلاقية».
العرفان ثم العرفان
يقول سلمان كمال الدين في العدد الثاني من مجلة العروبة الصادر في أيار 1989، وتحت عنوان «زاوية الذكرى». ويتكلم فيه عن المرحوم محمد الدويغر، الذي حمل على عاتقه تأسيس نادي العروبة وكان أول رئيس له، هذا الرجل العفيف والفارس الجريء، الذي تكاد كلماته التي قالها قبل خمسين سنة تعيد نفسها من جديد» لا أدري بماذا يعلل العاملون أنفسهم بالكف عن خدمة مجتمعهم هنا. لأنهم يخشون الاصطدام بعقبات في طريقهم فتثنيهم عن السير؟ أم لأنهم يفضلون مجاراة الرأي العام فينزون في عقر دارهم خوفا من لومة لائم . جاهل أو مغرور أو مكابر. مع أنهم يعلمون أن الوسط الذي يعيشون فيه غاطس في الجهل. مشرف على الهلاك، أما والله إن الرجل الشريف ليفضل أن يناله الضرر من جراء جهره بالحق خير من ينال الحق ضرر من جراء إحجامه. أفلا ترون إن الجهل إذا استفحل في طبقة من طبقات الشعب نكب ذلك الشعب بأسره. فلا تنفع فيه حينئذ سوى المقاومة . ولا تجدي في إزالته سوى المحاربة». إن اختيار سلمان للحديث عن المرحوم محمد الدويغر، هو إيصال رسالة، أو إعادة إرسال رسالة وضعها من سبقنا، ليس لجيلهم فقط ، إنما للأجيال القادمة. وهذا ما يدعو إليه المفكر والناشط في مجال حقوق الإنسان سلمان كمال الدين».
وكما يؤكد كمال الدين ضرورة الاهتمام بأفكار وآراء وحياة الرعيل الأول من المثقفين البحرينيين، فإننا نؤكد ضرورة نقل تجربة سلمان الدين، في الحياة والمجتمع والثقافة ومجال حقوق الإنسان، إلى الآخرين الذين من الضروري أن يتعرفوا على العناصر.
تكافؤ الفرص
يقول سلمان كمال الدين في افتتاحية العدد 14 من مجلة العروبة، إن:» الاتعاظ بدروس التاريخ، ينبئ بضرورة الالتزام بمرجعية ملزمة يلتف حولها الجميع ولا تكون موضع جدل حقوقي بل تكون هي مصدر كل القوانين، ولا أدل من أن يكون لكل مجتمع أسس واضحة يحتكم إليها كل أبنائه في علاقاتهم ببعضهم بعض، يكون أساسها المساواة في الحقوق والمواطنة الكاملة بلا تمييز، وتكريس الإنصاف القائم على تكافؤ الفرص، وتسخير كل الجهود للبناء الوطني الذي يعود بالخير على جميع أبناء الوطن من حكام ومحكومين».
النبيل يرى الأعالي
شخصياً أعتبر سلمان كمال الدين واحداً من النبلاء، إذ هو الإنسان الثقة، الإنسان تربطه كلمته، الإنسان الجنتلمان، الإنسان الذي من الممكن أن يعول عليه في إنجاز الكثير من المهمات الوطنية. الإنسان الذي كما أعرفه، حاملاً الهم الوطني في قلبه، ويدور به في كل جهات الأرض، ربما انتقده البعض لمواقفه الوطنية الصريحة. ربما اختلف الكثير معه في الأطروحات التي يطرح، وربما وجهت إليه السهام وهو يحاول الصعود بالوطن البحريني إلى أعلى القمم، لكن العاشق لتراب هذه الأرض، إلى الصغائر لا ينظر، وأمام توافه الأمور لا يتوقف.إنه دائماً يرى إلى الأعالي. وسلمان كمال الدين أحد عشاق هذا الوطن الواحد المتجدد الصاعد إلى ما يحلم.