ينقسم الناس إزاء موضوع عقوبة سحب الجنسية إلى فريقين؛ الأول يرفضه ويقول إن الجنسية حق لا يجوز انتزاعه أياً كانت الأسباب، والثاني يؤيده ويقول إن من حق الدولة أن تسحب الجنسية من مواطنيها في حالات معينة ينظمها القانون، والواضح هنا هو أن الفريق الأول يحتكم إلى العاطفة أكثر من احتكامه إلى العقل، ولعله لا يشعر بخطورة الأفعال التي تؤدي بالدولة إلى اتخاذ قرار بحرمان شخص من التمتع بالانتساب إليها.
قبل أيام انضمت سلطنة عمان إلى الإمارات والكويت والبحرين بإصدارها قانوناً جديداً للجنسية ليصير مجموع دول التعاون التي اتجهت إلى هذا الخيار المر أربع دول خليجية، لكن هذه الدول لم تترك الموضوع عرضة للعبث، وإنما نظمته وأوضحت الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تعرض حامل جواز سفرها لهذه العقوبة. من ذلك مثلاً التحريض على الإرهاب والسعي إلى الإضرار بمصلحة الدولة.
ما أقدمت عليه هذه الدول ليس بدعة؛ فهناك الكثير من دول العالم التي تنتمي إلى العالم المتقدم تلجأ إلى هذه العقوبة في مثل هذه الحالات وغيرها، سواء بالنسبة إلى من اكتسب جنسيتها أو المواطن الأصلي، فليس منطقاً قبول الدولة أفعالاً من منتمين إليها تضرها وتبيعها بالرخيص.
لجوء الدولة إلى قرار سحب الجنسية ممن اكتسبها أو مواطنيها لا يفرحها ولكنه كما الكي الذي هو آخر الدواء، وفي كل الأحوال يمر المحكوم عليه بهذا الحكم بسلسلة من الخطوات التي تتيح له فرصة العودة عن غيه ومراجعة نفسه والانتباه إلى الخطأ أو الأخطاء التي يرتكبها، كما تتيح له الدولة اللجوء إلى المحكمة كي تنصفه إن كان مظلوماً.
ترى كيف يتصرف رب الأسرة مع ابنه الذي يرمي بيته بالحجارة ويسيء إلى سمعة أهله ويرهبهم ويتاجر بهم ويمكّن الأجنبي من التسلط عليهم؟ هل يتركه يفعل ما يريد بحجة أنه عضو ينتمي إلى الأسرة على أمل أن ينتبه ذات لحظة أم يطرده ويرتاح من أذاه؟ الأكيد أنه يلجأ إلى هذا الدواء، وإن كان مؤلماً له قبل أن يكون مؤلماً لابنه، الذي انقاد إلى شيطانه.
بين الرأيين السابقين ينبري رأي ثالث ملخصه أنه لا بأس أن تلجأ الدولة إلى مثل هذه العقوبة في الحالات التي يحددها القانون، ولكن لفترة محددة وليست مطلقة، فلعل الذي نالها ينتبه إلى ما فعل ويتوب. رأي وسط لكنه بعيد عن الواقع، والرد عليه يكون بالقول إنه كيف لمن قبل على نفسه فخان وطنه وأساء إليه مثل تلك الإساءات الكبيرة وباعه أن يخلص له؟
الفقرة التالية مقتطفة من قانون سحب الجنسية لإحدى الدول لكنها مطبقة في مختلف دول العالم، فعندما يكون الجرم بهذا الحجم فأي عقوبة تشفي غليل الوطن والمواطنين أقل من مثل هذه العقوبة؟ تقول الفقرة «إذا توافرت الدلائل لدى الجهات المختصة على قيامه بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض النظام الاقتصادي أو الاجتماعي في البلاد أو على انتمائه إلى هيئة سياسية أجنبية.. وإذا عمل لمصلحة دولة أجنبية وهي في حالة حرب مع الدولة أو كانت العلاقات السياسية قد قطعت معها».
ترى كيف تتصرف الدول التي ترفع راية حقوق الإنسان والديمقراطية مع من يحمل جنسيتها ومحسوب عليها وهو يروج لتقويض نظامها الاقتصادي أو الاجتماعي أو يتعاون ضدها مع دولة أجنبية؟ كيف تتصرف مع من يدوسها ويدوس كل المبادئ والأخلاق ويبيعها ويسعى إلى الإضرار بها بدل الوفاء لها والفخر بالانتماء إليها؟
موضوع سحب الجنسية دونما شك له علاقة بحقوق الإنسان، لكن كل دول العالم تسقط هذا الحق في حالات معينة.. وهذا حقها وإن كان خياراً مراً.