حديث من القلب إلى من لهم في القلب مكان وود.. إلى أهل البحرين.. أهل الفاتح الذين جمعنا بهم بيت الله وشهدت علينا السماء والأرض والشمس والقمر والطير والشجر، وشهدنا علينا من قبلهم الله وملائكته، عندما وقفنا تلك الوقفة الخالدة صفاً واحداً تلاحمت فيها القلوب قبل الأكتاف، فكان مئات الآلاف بقلب واحد وصوت واحد ودعاء واحد «اللهم احفظ البحرين حكاماً وحكومة وشعباً»، فاستجاب الله دعاءنا وكسر شوكة الأعداء، فتحطمت آمالهم وخذلهم الله فردوا مدحورين رغم القوة التي تدعمهم والأساطيل التي تنتظرهم والغواصات التي تنتظر لحظة الطفو على سواحل البحرين من كل جانب، وها نحن اليوم بفضل من الله وتوفيقه لا زلنا نعيش في حفظ الله وأمانه، طالما تماسكنا وتلاحمنا، فيد الله مع الجماعة.
نقول لكم يا شيام يا كرام أهل البحرين، يا من ذكركم الله في كتابه (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، وحدوا الصفوف وألينوا جوانبكم بعضكم لبعض، واقهروا عدوكم وضعوا مستقبل هذه الأرض التي تركها الله أمانة في يدكم بعد أن سلمها لكم آباؤكم وأجدادكم، والذين صبروا على الشدائد وصارعوا الصلائب، إلى أن توفاهم الله، وهم قد أدوا الأمانة واتقوا الله حق تقاته بأن صدقوا ما عاهدوا وكانوا من الصالحين الذين حق عليهم أن يورثهم الله هذه الأرض لتكون أرضاً لأهل الإسلام والدين الناصع.
فيا أهل الفاتح.. إنكم تحفظون كتاب الله وتسيرون على هدي نبيكم، ولكن ذلك لا يمنع أن نذكركم بدروس المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومنها ما وقع بين الأوس والخزرج من تلاسن كاد أن يصل إلى التقاتل، وذلك بسبب الحسد من أعداء الإسلام، حيث كان شاس بن قيس اليهودي شيخاً عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين، مر على نفر من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: «قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار»، فأمر شاباً من اليهود كان معه، فقال: «اعمد إليهم وأجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار»، وكان بعاث يوم اقتتلت فيه الأوس مع الخزرج وكان الظفر فيه للأوس، ففعل وتكلم بينهم، فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب، أوس بن قبطي من الأوس، وجبار بن صخر من الخزرج فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: «إن شتم والله رددتها الآن جذعة»، وغضب الفريقان جميعاً وقالا: «قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة».
بلغ ما كان من أمريهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً، الله الله..»، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين)، أي أن النزاع بين المسلمين هو أشبه بالكفر، وذلك حين نرى أنهم لم يرتدوا عن الإسلام بل قاموا بفعل من أفعال الجاهلية وهو التنازع بين المسلمين.
نعم.. إنهم قد رأوكم صفاً واحداً وصوتاً مزلزلاً أذهل العالم، فشلت اليد التي كانت تريد أن تسلم البحرين إلى أعدائها الذين غاضهم بعدما رأوكم وسمعوا إنشادكم ودعاءكم وشاهدوا عزيمتكم، عندما تجندت نساؤكم قبل رجالكم لحماية البحرين، ولم تناموا ولم تهنؤوا إلا بعدما أن عاد الأمن والأمان إلى البحرين واندحر أعداؤها، هذا الأمر الذي يجتمع اليوم عليه أعداؤكم ليفلوا حزمتكم ليتفردوا بالبحرين، بعدما يتشتت هذا الجمع ويصبح متنافراً مسلط لسانه وجهوده على بعضه البعض، كل منهم يدعي بأنه هو الأخير وهو الأصح، وذلك بعد أن نزغ الشيطان بينكم كما نزغ بين قابيل وهابيل ويوسف وأخوته، هذا الشيطان نفسه الذي يؤزكم أخرج أبويكم آدم وحواء من الجنة، وها هي اليوم شياطين الأنس والجن تجتمع لتفرق بينكم وتخرجكم من دياركم بعد أن تشتت شملكم، وهو غاية عدوكم الذي لن يهنأ له بال إذا وجدكم مجتمعين في مجلس واحد جمعتكم المحبة في الله ورسوله الذي يأمركم بالوحدة ونهاكم عن التفرق (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلواوتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).
إنها دعوة لأهل الشيم والإباء والنخوة.. إلى أهل الدين الناصع الذين عرفوا حقيقة خلقهم بأنهم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ولن تكونوا عباده المخلصين إلا إذا امتثلتم لأوامره، وأولها الوحدة والاجتماع وعدم التفرق كي لا يطمع بكم وبأرضكم عدو الله ورسوله، ولكم الخيار اليوم بين أن تكونوا من الصابرين ويكون الله معكم، أو تكونوا غنيمة سهلة بعد أن ينزع الشيطان بينكم فيكون مصيركم الفشل.