على الرغم من أهمية مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية في عصرنا الراهن وما لها من تأثير مباشر وغير مباشر على مسار الحركة السياسية والاجتماعية في وطننا العربي؛ إلا أنها من زاوية أخرى تمثل مشكلة حقيقية في رسم الواقع كما هو، لأنها ستظل عالقة في عالمها الافتراضي، وستبقى رهن إشارات الجهات الأقوى لمستخدمي هذا العالم.
بحياد تام وبتجرد واضح؛ لو افترضنا أن المجتمعات العربية اليوم بعيدة كل البعد عن هذا العالم الافتراضي وأدواته، خصوصا «مواقع التواصل الاجتماعي»، سنجدها تقع تحت أمرين اثنين، الأمر الأول هو ابتعادها شبه الكامل عن الواقع الحياتي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي المعاصر، والأمر الآخر هو نجاتها من الفوضى والمعارك الوهمية التي تخوضها بالوكالة عن العدو وعن كل المحاربين من بني جلدتها ومن خارجها.
إن فرض العالم الافتراضي كواقع لا يمكننا الاستغناء عنه جعل العرب يسيرون وفق برامج وخطط لم يكونوا شركاء في صناعتها، بل انقادوا إليها بطريقة عشوائية، لأنهم في حقيقة الأمر لم يجيدوا استخدام واستغلال تلكم المواقع بطريقة سوية، كما أن هنالك من الأطراف الأخرى من كان له نصيب الأسد في تحريك وقيادة العالم الافتراضي بطريقته الخاصة، سواء كانوا يدركون أنهم من المساهمين في تضليل الرأي العام أو كانوا أدوات مطيعة في يد العدو.
هذه الحالة التي نؤكد فرضيتها تحتاج إلى دراسة علمية لمعرفة مدى إمكانية وواقعية تأثير المواقع الاجتماعية -على سبيل المثال- على مجتمعاتنا العربية، فلو أخذنا عشرة أشخاص كعينة من الفاعلين والمنفعلين في المواقع الاجتماعية، وأخذنا في المقابل عشرة أشخاص لكن ليست لهم أية علاقة بتلك المواقع، سنجد الفرق واضحاً في مدى سلامة أو تلف الفكر والضمير لكل من العينتين. فالعينة الأولى، سنجدها مضطربة ومشوشة وربما شرسة ايضاً وتحمل دوافع واضحة للإنتقام وخوض المعارك المستحقة وغير المستحقة، إلا ما رحم ربي، بينما سنجد العينة الأخرى أكثر صفاءً وهدوءًا واتزاناً من الفئة الأولى، على الرغم من خسارتها لبعض المعلومات، وهذا يعطينا انطباعا أوليا حول مدى فاعلية تلكم المواقع الاجتماعية في مسار حركة الأفراد والمجتمعات عموما.
حين نتأكد من خلو العالم الافتراضي من الافتراضيين أو الوهميين، أو ما نطلق عليهم اليوم «بالمندسين»، سيكون هذا العالم عالماً واقعياً، لكن على شكل «عالم إلكتروني»، وسيكون عالماً آمناً للغاية، لكن والحال ليس كذلك ولن يكون كذلك أبداً لطبيعة محركات الصراع العالمي اليوم، فإننا سنظل نعاني من نقص في الحقيقة وتشويه تام للواقع والقيم والمبادىء الإنسانية، وسيظل الوهم يعشعش في عقولنا وينخر في واقعنا، ولربما نساهم فيه سلبا بطريقة أو بأخرى من دون إدراك أو وعي، بينما ولغرقنا في هذا المستنقع الافتراضي سنظل نشعر أننا نملك الحقيقة، بينما نحن أكثر المجتمعات بعدا عنها، وهذا أخطر ما في الأمر.
يجب حين نقتحم العالم الافتراضي أن نكون حذرين كل الحذر من المكائد والدسائس التي تهدم الواقع غير الافتراضي «الحقيقي» ببضع من المهرجين والمغردين والفاعلين في أهم وأكبر مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت لنا بالمجان «ألف خط تحت كلمة مجان» لنساهم فيها بالمجان أيضاً في إسقاط حياتنا ووجدنا وقيمنا ودولنا وتحطيم كل عنصر من عناصر كياناتنا التي تحمينا، كجيوشنا ومدنيتنا.
هناك عناصر مندسة بيننا في مواقع التواصل الاجتماعي تساهم في تقويض الوجود العربي يجب الحذر منها، وهناك وجوه خرجت من بيننا هي الأخرى تساهم في تفتيت وحدتنا وضرب قوتنا وتشتيت شملنا وزرع الفتن وأدواتها في حياتنا، وما الواقع العربي عنكم ببعيد.
نحن لا نقول ولن نقول بالابتعاد عن تلك المواقع الإلكترونية التي أصبحت واقعاً حقيقياً في حياتنا، لكن كل ما نطالب به اليوم أن نكون في قمة الحذر من مساوئها التي فاقت محاسنها في عصر الدروشة والمسكنة، وأن نلتفت لكل المندسين والعارفين بطرق وطرائق عملها في الليل قبل النهار، كي نحذرهم ونحافظ على ما تبقى من وجودنا العربي قبل أن يسبق السيف العذل، فالخراب وصل إلى قلب العواصم العربية.. فهلا استفقنا؟!