كتب – جعفر الديري:
كتاب «الزار» لمؤلفه الفنان والباحث البحريني جاسم محمد بن حربان، أحد الكتب القيمة التي تبحث في إطار الثقافة الشعبية وفود ثقافة (الزار) وتجذرها وارتباطها بكل من عاش على أرض البحرين وزاول طقوسها وفنونها وعاداتها وتقاليدها، مستعيناً الباحث بالإرث الكبير الذي حظي به من والده الفنان الشعبي الراحل محمد جاسم بن حربان، والروايات الكثيرة من الذين عايشهم وزاول معهم ممارسة هذا الإرث، والتسجيلات الصوتية التي توجد في إذاعة البحرين، والتسجيلات التي سجلها من الرواة ومن حفلات الزار الكثيرة التي خاضها وتعلم فيها كيفية ممارسة الطقوس منذ كان صغيرا في أماكن مزاولته كما إنه شاهد الكثير من الحالات التي تأتي للعلاج. هذا إلى جانب بعض الكتب والمراجع وبعض المجلات المتخصصة.
ويؤكد بن الحربان عبر صفحات الكتاب أن فن الزار ذو ارتباط وثيق بمجتمع البحرين ذي السمات المتعددة والشرائح المجتمعية ذات الصبغات المتأصلة والوافدة، وهو التكوين المجتمعي البحريني الذي يلعب دوراً مهماً في وجود كثير من الثقافات على أرضه. وقد عمد بن في كتابه إلى إبراز الجانب اللحني مكتوباً موسيقياً وعرض كثيراً من الترتيبات الطقسية المتبعة تحت مسمى أمثلة، فبدأ في أفراد فصول متمثلة في التعريف بالموضوع ونشأته من خلال ما تناولته بعض الكتب والمراجع، ثم انتقل إلى الفصل الثاني الذي جاء تحت مسمى الزار الحبشي معتقداته وآلاته ونصوصه ومجموعاته بمشايخها، والفصل الثالث انفرد بموسيقى الزار والفرق الشعبية التي تمارسها وبدأ بالطنبورة، ثم جعل فصلاً آخر بمسمى الآلة وإيقاعات تمارس تلك الطقوس الزارية وهي الليوة وأبرز من خلالها كيفية صناعاتها وأقسامها وطقوسها ورقصاتها وأغنياتها مع إيجاد بعض الأمثلة، أما الفصل الخامس فتحدث فيه عن ارتباط الزار بالفنون الغنائية الشعبية الأخرى ووجوده بها، وذلك من خلال تعريفات مبسطة للفنون ونصوصها وبعض من آلاتها المستخدمة. ثم انتقل إلى العادات والتقاليد المتبعة في الزار، وعرض بعضاً من الحالات الزارية. أما الفصل التاسع فخصصه المؤلف للجن في المعتقد الشعبي.
طريقة قديمة للعلاج
يوضح بن حربان في فصل آخر من الكتاب أن الزار وطقوسه طريقة علاجية قديمة. ظهرت من الناس وللناس تستقرئ مكامن الأمراض النفسية وتضع لها الحلول المناسبة شأنها شأن أية طريقة يعتقدها الإنسان منساقة لمعتقده الفطري لتكون له ملاذاً يحتمي به في أوقات يصعب عليها استحداث ما لا يحيط ببيئته، لافتاً إلى أن الفنون الشعبية التي لازمت هذا المعتقد الطقسي هي أيضاً نتيجة التفاعل بين الأفراد والجماعات والبيئة المحيطة خلال الأزمان والأحقاب الماضية ولا يعرف من هو مبدعها الحقيقي.
ويدعو بن حربان في كتابه إلى أن تكون هناك مواجهة علمية شاملة لظاهرة الزار لا تقوم على مجرد الرفض أو القبول، بل تقوم على دراسة منهجية موضوعية محايدة تقدم الأسباب العلمية لحالات الشفاء في الزار، وإلى تشكيل فريق من الباحثين والأطباء النفسيين أي فريق قائم على التخصص لدراسة الزار، واجدا في الزار مادة أدبية وفنية يرجى وضعها في متناول الفنانين فهو أي الزار مصدر غني للاستلهام. على سبيل المثال لا الحصر يمكن الاستفادة منه في الألحان والإيقاعات والملابس بألوانها وأشكالها.
ويهيب بن حربان بالباحثين العمل على إبراز ما للثقافة الشعبية من جذور قوية في مجتمع بحريني صغير يحتوي على كثير من الطوائف والأعراق. وفي مجتمع يشكو من ندرة المراجع والمخطوطات والكتب التي تتصدى لمثل هذه الموضوعات الثقافية وقلة المتصدين لها في المجتمع المحلي وتهاوي الدور الجماعي الذي تبنى الحفاظ على مثل هذه العادات والتقاليد والطقوس، واقتراب نهاية التجمعات التي تهتم بها وتمارسها وعدم التواصل بين ما هو موجود وممارس وما يأتي من الخارج، وعدم وجود جهود حكومية تختص برعاية هذه الموروثات بتفعيلها وإيجاد مساحة خصبة تستطيع من خلالها أن تتواصل بتدوينها وأرشفتها لتبقى في متناول الباحثين والمتخصصين، وعدم وجود مراكز بحثية تهتم بالتراث بشكل عام. وأخيراً انتقال الكثير ممن يمتلكون الحفظ والممارسة من الرواة إلى رحمة الله. ما يدفع إلى التأكيد على أهمية تدوين ما تبقى ومن تبقى من المتمرسين بتلك الفنون الشعبية العريقة.
الزار لغة
الزار بحسب قاموس المعاني هو حفلة راقصة تقام لطرد الأرواح الخبيثة التي تملأ أجسام بعض الناس في زعمهم. وجمعها «زيران». في التفاصيل يقال: فلان فيه زيران، ومزيور. والزيران عندما تأتي صاحبها وغالباً ما تأتيه عند سماعه ضرب الطيران، جمع طار، (الدفوف). فيقوم بالرقص بحركات شبه هستيرية تنتهي بحالة تشنج عند البعض. وفي معجم الألفاظ: زار: الزار هو الجني أو الجنيّه. فيقال لمن ركبته روح شريرة: «فيه زار».
ويرجح مختصون أن كلمة زار عربية مستعارة من اللغة الأمهرية، ويذهب بعض الباحثين إلى أن أصل كلمة الزار عربي، وهي من زائر النحس. وهذه المجموعة من أشباه الطقوس الشعبية تعمل على طرد العفاريت التي تتقمص بعض الناس، ولذلك فالزار يقوم عند معتقديه بوظيفة علاجية.
وحظي الزار باهتمام كثير من المستشرقين منذ قرنين أو يزيد، ومنهم إدوارد لين وكريس وسيمون مسنج جون كندي وهاري فاخوري وغيرهم، أما عن الزار كطقوس وممارسات فتقول دائرة المعارف الإسلامية «إن كلمة زار مشتقة من جار DJAR كبير آلهة الكوشيين الذي يتغير اسمه لدى بعض الطوائف إلى يارو YARO أو دارو DARO ، وظهر منه في إطار المسيحية الحبشية اسم روح شريرة هو زار ZAR الذي استعـاره المسيحيون الأحباش من بعض القبائل الوثنية».
وتوضح الموسوعات أن الزار «يتضمن موسيقى شعبية ورقصاً وإيقاعاً وأغنيات ومحاكاة، كما يزخر بأنواع كثيرة من الحلي والزينة مثل الحناء والكحل وكذلك الأزياء، وخصوصاً أزياء الجان وأزياء الفرقة والزيران الآخرين. كما يتميز كظاهرة فلكلورية بالقدم والعراقة، والتوارث جيلاً بعد جيل شفاهية وليس عن طريق التدوين والتعبير عن الوجدان الجماعي لقطاع كبير من الطبقة الشعبية (قديماً)، ومجهول المبدع من الشعب. أما من ناحية الشكل، فحفل الزار يختلف من مكان لآخر، فهناك زار يقام في (المكيد) وهو اسم المكان الذي يمارس به الزار ويكون عادة على هيئة حجرة كبيرة في بيت (الشيخة) أو الشيخ وهي المرأة أو الرجل اللذان يقومان على العلاج وتبعاته في الزار. وزار يقام في المزارع والبساتين وزار يقام في الأماكن الشتوية في الصحراء، وأيضاً في بعض الجزر القريبة وكل ذلك بحسب رغبة الزار نفسه، وأيضاً بحسب المناخ. أما الطقوس المتبعة في الزار، فهي من (المنحر) وهو موضع النحر، فـ (الضيفة) وهو ما يطلبه الزار من المريض لاستضافة كل من لهم شأن بالزار. وتتمثل الضيفة في أشكال عدة. على سبيل المثال: العجل، الكبش أو الدجاج، الملابس وبعض من النقود والحلي. وتعد الضيفة بمثابة التكريم للزار. والطلبات و(التبخر) وهو التطيب بالبخور بأشكاله المتعددة كبخور اللبان أو العود الهندي أو البخور الجاوي. و(الانزال) ونزول الزار وحضوره إلى المكان بعد القراءة على الشخص المريض. و(تدخيل الضيفة) وهو إدخال الكبش أو العجل داخل المكان الذي تقام به طقوس الزار، ليركبه صاحب الزار إذا كان كبشاً ويدور به 3 دورات ومن ثم يتم إخراجه، أما إذا كان عجلاً فإنه يطوف من تحته ثلاثاً ثم يخرج العجل إلى خارج المكيد».
فئات الأسياد أو الأرواح
ونقرأ في دائرة المعارف الإسلامية، والموسوعة العربية الميسرة، وكتاب المعتقدات الشعبية في العالم الإسلامي/ كريس أن دارسي علم الإنتربولوجيا يقسمون الأسياد أو الأرواح الشريرة إلى الفئات التالية: أرواح إقليمية، ب: أرواح طبيعية، أرواح قبطية وإسلامية، أرواح تدل على أصحاب مهن، هـ: أضاف ليتمان فئة خامسة وهي الأرواح التي تسمى بأسماء الأشخاص.
وتضم المجموعة الإقليمية عدداً من المجموعات الفرعية: المجموعة السودانية: وفيها الطنبورة السودانية، المجموعة الحبشية: وعلى رأسها سلطان الحبش وإخوانه وهوانم الحبشة والست الكبيرة أو حبوبة الحبوبات، وتعتبر جدة للأرواح الحبشية، المجموعة الصعيدية: على رأسها الصعيدي أبودنفا ويعتقد أنه يظهر على ثلاث مراحل كما أشار كريس وله أخت تعرف باسم الست الصعيدية، المجموعة العربية: على رأسها العربي ورفيقته العربية «عرب العربان»، المجموعة المغربية: على رأسها السلطان المغربي ويطابق المعتقد الشعبي بين السلطان المغربي وعبدالقادر الجيلاني.
أما الأرواح الطبيعية: فينتمي إليها مجموعة النار وعلى رأسها «سلطان الجن الأحمر وأخواته.. وأسياد الماء أو أسياد البحر وعلى رأسها السلطان البحري وأخواته، وكذلك الأسياد المؤنثة التي تعرف باسم «الست سفينة» والمجموعة الجبلية وعلى رأسها السلطان الجبلاوي وأخته جندر ويعتقد كريس أن هذا الاسم مشتق من اسم جندر مدنية في الحبشة.
وعلى رأس المجموعة القبطية والإسلامية: السلطان النصراني أو سلطان الدير والسلطانة ماري والمجموعة الإسلامية فيبرز فيها اسم الدرويش وأسماء عدد من الأولياء المسلمين.. وأصحاب الطرق: أما عن الشخصيات النسائية الإسلامية فتذكر «أم الغلام» وقد دار جدل طويل حول تحديد السيدة المقصودة بهذا الاسم فطرح احتمال أن يكون المقصود بهذا الاسم القرينة أو أم الصبيان.
وعلى رأس المجموعة المهنية: الأرواح ذات الأسماء العسكرية أو الحربية وينتمي إليها «الياوري بك» وأخته الست ركاش هانم وفي صورته الرفيعة باسم «سلطان اللواء» وفي صورته الوضيعة باسم العسكري والحكيمباشا.
حالات واقعية
من الطبيعي أن يشمل سجل الزار، كثيراً من القصص والحكايات الخاصة بهذا اللون من العلاج أو الطريقة والفن أيضاً، ونختار هذه القصة التي وردت في أحد كتب العلاج بالقران، لأنها تعطي صورة واضحة عن هذه الممارسات «تقول إحدى السيدات التي تجاوزت الخمسين من عمرها: عندما علمت بنبأ وفاة شقيقتي كنت بدورة المياه فصرخت فيها صرخة عالية ، مرضت على أثرها ، وأشار علي البعض بالزار وذهبت للحاجة أم الجوهرة التي أخبرتني أن هناك عفريتا قد ركبني فسألتها وماذا يطلب؟ فقالت يريد خلخال فضة، وقلب عقيق حر، بعدها أغرقوا رأسي بمياه باردة لأني كما أخبرتني أم الجوهرة كنت ممسوكة بسفينة البحر العوامة، ودقوا لي الزار، بعدها شعرت بتحسن ولكن لم تمض فترة حتى عاودتني الحالة، فأخبرتني بأن سلطان الجن الأحمر لبسني هذه المرة، ودقوا لي الزار مرة أخرى وطلبوا مني أن ألبس ثياباً حمراء، وبعدها ركبتني عفريتة سودانية ومن يومها وأنا أتردد على أم الجوهرة لحضور الزار كل أسبوع وإحضار طلب الأسياد، وهكذا تظل المريضة أسيرة لهذا الزار ولهؤلاء الدجالين حتى تجد الطريق الصحيح وهو طريق العلاج بالقرآن».
الزار في الخليج
لا تنحصر طقوس الزار في مملكة البحرين فقط، بل وجدت ولاتزال في دول الخليج والعالمين العربي والإسلامي. وفيما يلي نستعرض جانباً من تجربة دول الخليج والبلاد العربية.
يكتب أحد الباحثين، مؤكداً أن الزار بدأ في دولة الإمارات العربية الشقيقة في مرحلة قديمة جداً ( قبل النفط وقبل ظهور المستشفيات)، معرفاً الزار بأنه أحد أشكال العلاج الشعبي لبعض الأنواع من الأمراض النفسية والعضوية، أو تلك الأمراض النفسية ذات الأعراض الجسمانية كالصداع النصفي أو أمراض المعدة، مشيراً إلى أن الزار يمثل حالة متفردة من حالات معاناة الإنسان من الأمراض النفسية، التي لا يجد لها علاجاً يستطيع شفاءه، فيلجأ مضطراً إلى الزار ليتخلص من أمراض القلق والصراع والتوتر، ويخضع المريض في هذا النوع من العلاج لأشكال من التعذيب النفسي والجسدي على السواء.
ويبين الباحث أن أمراض الزار هي: الضيقة أي الاكتئاب، أو ألم الرأس أو القلب أو حالات عدم القدرة على المعاشرة الزوجية، مشيراً إلى أن حفلة الزار تقام في منزل المريض نفسه حسب رغبته فإذا كان الزار بمنزل المريض فإنه يقتصر على الغناء والتصفيق البسيط، ولا يزيد عدد المشاركين بالغناء عن أربعة أو ستة أشخاص، لكن إذا أقيم الزار خارج المنزل أي في الصحراء الخالية فتزداد حركة المشاركين، وتزداد دقات الطبول، كما ترتفع الأصوات عالية ويشحذ ذلك من همة المعالج والمريض وتتيسر عملية استدعاء الجان والتفاوض معهم.
ويضيف الباحث بشأن كيفية وصول الزار إلى المريض أثناء ممارسة تلك الطقوس: نجد أن الغناء العالي يدخل رأس المريض أو المريضة فيقال شعبياً «يدخل لهبوب» أي يدخل الهوى والطرب إلى رأس المريض. ويفسر كذلك بدخول الريح أو الروح أو الجن. عندها يفقد المريض السيطرة على نفسه فيشارك مع المحتفلين بهز الرأس «النعيش» بسرعات متفاوتة، تبدأ قليلة فتزداد بازدياد الغناء والتصفيق حتى يتعب المريض، ويتصبب عرقاً. هنا يتكلم الزار أو الجان المخاوي للمريض ويبدأ بتقديم طلباته، وهنا نلاحظ التغير في صوت المريض أثناء تقديمه للطلبات، إذ يصبح الصوت مبحوحا وخاضعا.
ويذكر الباحث الإماراتي أن المشاركين في الزار هم ما يطلق عليهم « الجوقه» وتتكون من شخصيات عديدة: الكودية: وهي المرأة التي تقوم بالواسطة بين المريض والأسياد، أو قد يكون رجلا ويسمى الكودي، المنشدة: وهي التي تقوم بالغناء، وعدد من العازفين الذين يستخدمون آلات بدائية وهي: الطنبورة، الرق، الطبلة، الصفار، والبندير. أما عن أسماء الأسياد فهي كثيرة: الشيطان، سيف، الجني، الجنية، الريحاني، الدرعي، النمرود، نوبان، وأخيراً الحبشي.
أغاني الزار
يشير الباحث إلى نماذج من أغاني الزار في دولة الإمارات منها: «وهو ناديت الزار، وهو ناديت سيف، وهو يا مابيت، وهو ناديت مابيت، وهو ياديره، وهو ناديت الزار، وهو من كل دار من البحور والسيوح، وهو من كل دار، وهو يا نمرود، وهو يالدرعي، وهو يالهيمان، وهو يا شيطان»، كذلك من الأغنيات «وآلوه ياه والوه، دويه يا مرورد الأوراد، هي ياماما، يو سيف هي يا ماما، واتورد يو سيف، هي يا ماما، ورودية»، أيضاً من الأغنيات أغنية الجنية وتقول «الجنية كفاك الله، بليتيني بلاك الله، بليتيني بلاك الرب، بليتيني كفاك الرب، جنية عطاك الجنان، عظيم باسم الله يالرضية، وبتنزل يا شيخ الجان بسم الله يالرضية، وتنزل يا شيخ الجان». كذلك أغنية الشيطان «شيطان بن شيـطان توه جاي مجدم الريح توه ياي، شيطان بن هيمن توه ياي مقـدم الرياج ظـهر جاي، ييناكم زائرين نحن الشـياطـين مستعرضين، ييناكم زائرين نحن الشيـاطين مستعرضين، ياه الجني يو ريحان يوب بالجني على الشيطان، شمللوه يا شيمال وانت الــزار يو ريحان، جني ورد مـن الهيمان جني ورد من الهيمان، عند يا قـــوم ترد العايل تفرق الخـل مـن خليله، يا طناف المطايع رفيع الشان سماح الخطـايا».
الزار في مصر
أما في مصر فيرجح الباحثون أن الطقوس المتصلة بالزار في مصر انتقلت إليها في القرن 19، ذلك أن اسمها الأمهري «زار» وصفاتها الخاصة بطرد العفاريت واستحضارها دليل واضح عند الباحثين على أن أصلها من بلاد الحبشة الشمالية، مشيرين إلى أن العادة جرت بأن يقوم بهذه الطقوس الخاصة بطرد العفاريت واستحضارها امرأة هي الشيخة أو عريفة السكة، وعند عامة مصر «الكدية» وتختلف معالجتهن للعفاريت باختلاف المكان الذي جاءت منه ذلك أنهن يفرقن بين عفاريت مصر وعفاريت الصعيد والسودان، كما يفرقن أحياناً بين عقائد العفاريت ومهنها، لافتين إلى أنه صدرت في القاهرة أبحاث في ذم الزار، كما تدرس أشياء هذه الطقوس دراسات نفسية واجتماعية وشعبية.
الزار في اليمن
وعبر مقالة في إحدى الصحف الخليجية نقرأ عن الزار وعلاج السحر في اليمن: «طقوس قد تبدو غريبة لكنها منتشرة في اليمن بشكل كبير، تتضمن حفلات رقص وشرب دماء لإخراج الجان من المصابين بالسحر أو بالزار كما يسميه اليمنيون. تجري هذه الحفلات في العادة عند سيدة مسنة تسمى الكودية أو العلقة حيث تتجمع عندها النساء الراغبات في التخلص من الجان والعفاريت.
وتقول إحدى النساء المتمرسات في هذه الطقوس أن حفلات الزار عادة ما تبدأ بدقات الطبول والدفوف مصحوبة بترانيم وتمتمات غير مفهومة، ثم تبدأ طقوس حركات الأجسام واهتزازها مع انتشار الأبخرة في أجواء مفعمة بالضجيج والحركة. وتضيف «وتستمر هذه الأعمال حتى تسقط المريضة على الأرض, وبمجرد سقوطها تبدأ الكودية بممارسة طقوس إخراج الزار، حيث تقوم بالصراخ بصوت مرتفع على الجن والشياطين والعفاريت وتطلب منهم الخروج من جسد المريضة). ولا بد أن تتعهد الكودية للجان المتلبسين بالمريضة بتلبية مطالبهم التي عادة ما تكون ديكاً أو خروفاً بمواصفات معينة يلتزم أهل المريضة بإحضاره، على أساس أن ذلك من مطلب الجان مقابل خروجهم من جسد المريضة.
أكثر من قرن كامل
قدمت الكاتبة نورة الشيخ حامد عطي، دراسة مهمة بشأن الزار، أكدت فيها أن طقوس الزار من العادات الغرائبية والتي دخلت إلى الثقافة العربية والذي عرفه العالم الغربي في فتراته المتأخرة حيث عرف كما قيل في القرن التاسع عشر، حيث لم يعرف قبل هذا القرن ولم ترد إشارات عنه أو وصف مقارب له.
وتبين عطي أن الزار في أصله طقس وثني للقبائل الأفريقية البدائية، انتقل من الحبشة إلى السودان ثم إلى مصر (ح ـ 1870م) فباقي البلاد العربية ولفظ زار محرف من جار ـ إله وثني عند الكوشيين، ثم غدا في الحبشة بعد دخول النصرانية عفريتاً حقوداً (أسياد شريرة). وبعد دخول الزار إلى النسق الثقافي العربي عن طريق العبيد الأحباش طرأ عليه تغير في سماته فهو في المعتقد الشعبي وسيلة للشفاء من أمراض نفسية وجسمية على حد سواء (الاكتئاب، الصداع، ولادة أطفال مشوهين أو ميتين). وهو بذلك يختلف عن أصله بكونه لا يستنطق الأسياد عن أمور الغيب.
وتشير الباحثة إلى أن من يقوم بطقوس الاستحضار والطرد امرأة تدعى الكودية أو الشيخة أو عريفة السكة، وهي في الغالب امرأة سوداء ترث دور الوسيط بين الملبوسين والأسياد من أمها، فإن لم يكن لها بنت تورثه لإحدى العرائس (المساعدات) وتتعامل الكودية مع كافة الأسياد وهذا ما يجعلها تحمل أعداداً كبيرة من التمائم بعدد الأسياد. بينما العروس تحمل قيمة السيد الذي يتلبسها فقط. وتقيم الكودية ثلاثة أنواع من حفلات الزار ..حفل زار كبير، وآخر أسبوعي، وحفل زار حولي. فالزار الأسبوعي : يقتصر الاحتفال فيه على إظهار الاحترام للسيد واسترضائه وحاضرات هذا الحفل يسميهن (كريس) مدمنات زار كون حضورهن الزار يمنحهن الشعور بالراحة واعتقادهن بعدم قدرتهن على الحياة بدون المشاركة في حفل الزار. أما الحفل الكبير: فهو الذي تمارس فيه طقوس كل عناصر الزار (موسيقى، رقص، ملابس، تمائم، بخور، أغاني) ويستهدف منه شفاء المريض بمعرفة الأسياد ومحاولة إرضائها وتقديم القرابين لها. والحفل الحولي: يقام كل عام في شهر رجب تخصصه الكودية لكافة الأسياد المعروفة لها وتتوقف حفلات الزار بكل أنواعها طوال شهر رمضان، بلا استثناء لأي نوع منها. وتستعين الكودية بفرق تدق على أنواع من الدفوف والطبول وارتباط كل سيد من الأسياد بإيقاع خاص ونوع الفرقة: النوع الأول: الفرق «الفرقة البلدي» مكونة من خمس نساء ثلاث منهن على المزاهر، واحدة على الطلبة النص والأخرى على مرجص. والنوع الثاني: فرقة الطنبورة أو الفرقة السوداني, ويضرب علي الطنبورة بعض أفراد من اصل زنجي, وعازف منجور واثنتان من عازفات الطبلة. النوع الثالث: فرقة ابوالغيط, تتكون من راقص يقوم بنفس دور المنجور، واثنين من عازفي الصفارة وتقوم زوجة الراقص بالضرب على الرق.
القرابين أهم العناصر
تشير الكاتبة عطي إلى أن العنصر الأهم في حفل الزار هو «القرابين، والأضاحي» فلكل سيد مطلب يطلبه من المرضى محددة أدق تحديد منها أنواع من التمائم، والملابس، والرقصات، فالتمائم متنوعة في شكلها ومضمونها وحجمها لا يقتصر استخدامها في الزار فقط، مشيرة إلى أن أبرز هذه التمائم الخلخال، وله صفاته الخاصة فهو رفيع ينتهي برأس كروي، وله شروط في المعتقد الشعبي يجب أن تتوافر ليكون له فاعلية، أن يكون مصنوعاً من الحديد، وأن يشترى بمال شحذه أصحابه من الناس، أن يكون الحداد (صانعه) قد ورث مهنة الحدادة عن آبائه وأجداده إلى سابع جد، وتلبس الكودية مجموعة كبيرة من التمائم المصنوعة من القطع المعدنية التي تعلقها حول رأسها فوق منديل الرأس، وهناك عدا هذا مجموعة من التمائم والمعلقات المصنوعة من معادن أخرى أو من صدف، أو من البلاستيك وهي ذات أشكال وتنويعات وكتابات متباينة.
وبشأن الملابس التي يطلبها الأسياد تقول عطي إنها عند البعض دقيقة ومعقدة فالست السودانية مثلاً تتطلب زياً كاملاً متعدد العناصر، فتطلب من عروستها أن ترتدي «ملاءة سودانية» كبيرة مزينة مربعات سوداء وبيضاء وبكنار أحمر اللون عرضه حوالي 8سم، وتطلب طاقية مشغولة ومزركشة بالخرز والأصداف الدقيقة ذات الألوان المتعددة. وعقداً من الأصداف المثبتة في نسيج مشغول، وحزاماً يبلغ عرضه نحو 12سم، وعقداً مشغولاً بالخرز والصدف، وخلخالاً وأساور، ويزيد على العقد سلاسل حول الرقبة تتعدد من حالة لأخرى، وتكون في العادة مثبتاً فيها تميمة أو أكثر على هيئة كيس داخل في تكوين العقد وتحمل العروس علاوة على ذلك خنجراً ذا مقبض مصنوع من الخشب أو العظم والحراب الموضوع فيه مزين بالحرز الملون كذلك وتحمل أيضاً عصاً يبلغ طولها نحو 60 سنتميتراً محاطة من جميع جوانبها بالخرز، وأحياناً ترتدي طربوشاً مزيناً بالقصب. أما السلطان ذو الأصل البدوي فيطلب عباءة بيضاء محلاة برسوم ومنقوش على ظهرها جمل وراع وراء هذا الجمل وعلى الجانبين أهداب زرقاء اللون ذات نقوش دائرية الشكل وترتدي عروس هذا السلطان العربي أيضاً كوفية حريرية بيضاء، مزركشة بزهور ذهبية اللون, ويرتدي فوقها عقالاً عربياً، أما أخته الست العربية فتطلب «ملس» حريرياً أبيض بأكمام طويلة منقوش على حوافه وعليه برقع تتدلى منه بعض العملات المعدنية المذهبة اللون بصورتها التقليدية المعروفة كما تتدلى فوق الملبس بعض قطع الخرز والصدف الزرقاء والبيضاء والحمراء علاوة على الحزام البدوي التقليدي. أما «الست السفينة» فتبدو في مظهرها امرأة في نصفها الأعلى وسمكة في الأسفل من جسدها، ولا تطلب لنفسها ملابس خاصة، ولكن حين الغناء لها لابد أن يكون هناك إناء كبير من النحاس، مملوءاً إلى نصفه بالماء، وتعوم فيه بعض الأسماك الحية لكي تلعب بها المريضة، وتغمس رأسها أيضاً وتلعب بالأسماك أثناء الغناء.