ليس سيناريو فنتازياً، بل هو سيناريو يمكن التفكير فيه كخيار استراتيجي للانتقال من مرحلة التعاون التي ظلت سائدة لنحو ثلاث عقود إلى مرحلة أخرى مختلفة تحرص فيها كافة الأطراف على تغليب المصالح الخليجية المشتركة لمصلحة الجميع.
هذا الخيار لا يتصوره خليجي من جيل السبعينات أو الثمانينات على الأقل نشأ ومجلس التعاون الخليجي موجود وكان جزءاً من حياته، وجزءاً من هويته الخليجية. ولكن التفكير فيه نحو الأفضل مهم استجابة لمتطلبات الواقع واحتياجات المستقبل.
الخلافات البينية ليست بجديدة، بل كانت حاضرة دوماً، وتمكنت جميع دول المنظومة الخليجية من تجاوز خلافاتها في أوقات كثيرة، إما بالوساطات، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي، أو حتى القيام بمعالجات مؤقتة في إطار من العلاقات الودية القائمة بين هذه الدول بحكم الجغرافيا والتاريخ والروابط المشتركة.
ولكن السنوات الماضية كشفت عن درجة التباين في المصالح بين الدول الخليجية، وهو تباين يجب الاعتراف به أولاً، ولا يمكن حسمه بالطرق التقليدية التي اعتادت عليها هذه الدول. بل الحاجة تتطلب معالجات غير تقليدية، وإن تطلب الوضع إعادة تطوير المنظومة الخليجية لتتناسب مع الطموحات الرسمية والشعبية، خاصة مع دعوة العاهل السعودي بالانتقال لمرحلة الاتحاد الخليجي.
دول الخليج العربي بدون مجلس التعاون خيار غير مقبول شعبياً، لأن القناعة أن التعاون الذي ميّز دول الخليج في العقود الماضية مجرد مرحلة مؤقتة تتطلب الانتهاء منها لمرحلة متقدمة أخرى. وهذا يعني أنه لا يمكن الاستغناء عن المنظومة الخليجية وإن تعمقت الخلافات والتباينات، بل لابد من أن تكون هناك بدائل استراتيجية أكثر فاعلية وخيار الاتحاد في مقدمة هذه الأولويات، مهما كان شكله ثلاثياً أو رباعياً وغيره من التصورات، وهو خيار لا يقبل التأجيل أكثر مما تأجل.
مجموعة من التناقضات المُرّة عاشتها دول مجلس التعاون خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، وهي تناقضات جاءت نتيجة تراكمات مسبقة وحالات غير محسومة من الخلافات والتضاد في المصالح والمواقف السياسية. ولا يمكن أن تستمر هذه التناقضات أكثر إذا كانت هناك رغبة في حماية أمن الخليج، والنأي بالمجتمعات الخليجية من التهديدات الإقليمية والتحديات الداخلية. لذلك حالة الحسم مطلوبة فاستمرار شعوب الخليج في حالة اللاحسم سيدفع بها إلى التخلي عن خيار المنظومة الخليجية قريباً، ولا يمكن القبول بدول الخليج دون هذه المنظومة.