رغم استياء الكثير من الناس، ورغم وجود خيبة أمل من أداء كثير من نواب البرلمان طوال ثلاثة فصول تشريعية، إلا أن التفكير بعدم جدوى وجود برلمان في البلد مسألة فيها قصر نظر، باعتبار أن الخلل ليس في البرلمان ككيان بل في الأدوات التي تعمل من خلاله، أي الناس التي تصل إليه.
ومع قرب الانتخابات للفصل التشريعي الرابع نجد كثيراً من الوجوه أعلنت عزمها الترشح، منها وجوه قديمة وبعضها لقي أداؤه استياء كبيراً (لكن لا ماء في الوجه) وبعضهم راضٍ عليه نسبياً أهالي منطقته وبعض آخر وجه جديد يدخل المعترك.
وهنا ملاحظة يجب الانتباه لها، إذ في الوقت الذي يظلم فيه البرلمان (كوسيلة تغيير) بسبب سوء أداء كثير من النواب وينظر الناس للموضوع بسلبية شديدة متناسين هذه المعادلة، هناك من يعد عدته للبرلمان، بل يضرب في الأداء الحالي ليقدم نفسه على أنه أفضل من جلس على هذه الكراسي.
انتبهوا لتفاصيل الأمورهنا، إذ نعلم أولاً بأن أداء نواب البرلمان مخيب، لكن من يمارس التحريض وسعى للانقلاب الصريح قبل ثلاثة أعوام يعلم تماماً بأن البرلمان أحد أبرز البوابات التي يمكن أن يدخل منها لتنفيذ أجندته السيئة تجاه البلد.
في الوقت الذي فيه بعضنا يلوم أداء كثير من النواب ويقول بصريح العبارة «لن أصوت في الانتخابات القادمة»، السجال في الجلسات المغلقة للمحرضين وما تتضمنه بعض الرسائل الساعية للتواصل مع النظام يتركز على موضوع الدوائر الانتخابية. بالتالي ألم تتساءلوا ما سر ذلك؟!
الوفاق تتحدث دائماً عن الدوائر الانتخابية وتصفها بأنها غير عادلة، ومن ضمن الأمور التي ناقشتها في إطار مساعيها لحفظ ماء الوجه بعد فشل الانقلاب هو تغيير شكل الدوائر على الأقل لتخرج أمام جماهيرها بشيء، لكن هذا الحديث عن الدوائر هو أصلاً يثبت كذب الوفاق الصريح بشأن المحاصصات والطائفية وغيرها.
هم حاولوا إيهام الخارج بأنهم مهمشون وأن الدوائر لا تنصفهم، في حين أن مقترحاتهم بشأن الدوائر تفضح نواياهم، إذ حين تقول لشخص أجنبي بالأخص بريطاني أو أمريكي بأنهم وصلوا لرقم 18 نائباً من أصل عشرين، العاقل يرد عليك متسائلاً: ماذا يريدون أكثر؟!
هنا مربط الفرس، هم يريدون أصلاً الوصول للغالبية، بل حتى لو أخذوا الأربعين كرسياً فإن هذا أمر محمود لديهم ومرغوب، وحينها ذكرونا فقط بمن سيقول منهم دوائر غير عادلة أو نسبة وتناسباً.
أصلاً إثبات أن الوفاق لم يكن همها الشعب وهمومه ومحاربة الأخطاء والسعي للإصلاح هو عدد نوابها الواصل للبرلمان، إذ 18 نائباً ألا يمكنهم فعل الكثير؟!
للاستجواب تحتاج 5 نواب فقط وهم لديهم 18، وللمقترحات والمشاريع تحتاج نائباً واحداً ودعماً من البقية، فهل يعجز ذلك 18؟! وأصلاً لو كان ما يسعون إليه مفيداً للبلد فلا يعقل ألا يتفق معهم عدد من بقية النواب، أليس كذلك؟! إذ من غير المعقول ألا يملك 22 نائباً متبقياً ضميراً أو مبادئ، في حين يتركز ذلك لدى نواب الوفاق الـ18، والذين لم يطرحوا أي ملف معيشي للناس وأصروا عليه بقوة.
لو أن 18 نائباً أرادوا الحديث عن مسألة الإسكان والسعي لحلها لتمكنوا من ذلك لو كانوا يداً واحدة، أو زيادة رواتب أو محاربة فساد أو غيرها. لكان أقلها إحراج السلطة التنفيذية بثبات الموقف، أوحتى تجميد العضوية أوالاستقالة من أجل قضية تهم الناس، لكن كل هذا لم يحصل.
الوفاق نست الناس وركزت على مقترحات لتعديل قوانين التجمعات والمسيرات والإرهاب بما يخدم أجندتها من تخفيف للأحكام وتسهيل للتخابر مع الخارج وتعامٍ عن مناهضة الدولة.
فكرة تعديل الدوائر وإيجاد أكثر من 18 نائباً هدفها ليس على الإطلاق حل هموم الناس والإصلاح في الأرض، بل الهدف هو تدعيم الكذبة التي يدعونها بأنهم يمثلون كل شعب البحرين، والأخطر أن هذه البلد غالبيتها طيف واحد، وذلك يعني بأن حكم هذه البلد يجب أن يكون لهذا الطيف فقط وطبعاً الوفاق هي الوصية عليه والممثلة له.
الوفاق تدعي في الخارج بأن جميع الشعب سنته وشيعته معها ويؤيدها فيما تدعو إليه بالأخص مناهضة الدولة، لكن الغريب حينما يعجز مدعي ذلك عن الحصول على أكثر من 18 مقعداً من أصل 40 والشعب كله معه!
الآن سيقولون لأن الدوائر مقسمة بطريقة تغلب كفة من «تشتريهم» الدولة ومن هم في حكم «المرتزقة» بحسب نعوت قاموس الوفاق «رفيع المستوى في الأدب»، وكلها تبريرات لا تشفع أبداً لمن يقول كذباً بأنه يدعو للتعايش واللحمة الوطنية واحترام الجميع، كلها تبريرات لا تشفع لمن يدعي بأنه الناطق الرسمي باسم الشعب وأنهم كلهم معه.
الناس الذين آمنوا بالبرلمان كوسيلة إصلاح وتغيير يعيشون «ردة فعل» بسبب أداء مخيب لبعض من أوصلوهم، والنجاعة هنا ليست بالكفر بالبرلمان بل بإدراك مكمن الخطأ المتمثل في منح الصوت للأشخاص الخطأ. ما يحصل اليوم يخدم من يحاول باستماتة الدخول للبرلمان لكن بالطريقة التي تخدمه، ليحول المكان إلى أكبر خنجر يضرب به الدولة، بالأخص على الصعيد الإعلامي.