لفتني في لقاء وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة الخميس الماضي بنادي الضباط مع شرائح من المواطنين حرص معاليه على الإعلاء من شأن علماء الدين بإجلاسهم في صدر المجلس، ثم بالترحيب بآخرين منهم تقدموا للسلام عليه في ختام اللقاء، حيث كان يصافحهم بعين التقدير مثمناً بذلك حضورهم ودورهم السابق واللاحق في تخليص البلاد من آثار اللوثة التي لحقت بعقول البعض الذي لم ينتبه إلى أنه رفع شعارات البناء لكنه مارس الهدم، فتسبب في إحداث شرخ عظيم في مجتمع ظل طويلاً يمتاز بلحمته وبتعايش أفراده في كل الأحوال.
كان لافتاً أيضاً حرص الوزير على التأكيد على أن البحرين قيادة وحكومة لا تنظر إلى المواطنين بمنظارين، وأن الجميع لديها سواء، وأن ما قامت وتقوم به وزارة الداخلية هو لحماية الجميع لأن الأمن للجميع، لذا لم يكن غريباً قوله إن كل قطرة دم أريقت هي خسارة للبحرين، معبراً عن أسفه وحزنه على كل من فقد حياته.
كان لافتاً أيضاً التأكيد على أن يــد الدولــة ممدودة لكل عاقل، وأن على كل عاقل أيضاً أن يسهم بما يستطيع من جهد وقول في عملية التهدئة التي صار لابد منها كي يتم الانتقال إلى مرحلة جديدة يتفرغ الجميع فيها للبناء.
حسب فهمي فإن اللقاء كان بمثابة إعلان عن أن الظروف والتغيرات التي تشهدها المنطقة لم تعد تستوعب ما كنا فيه في السنوات الثلاث الأخيرة، وأنه صار لابد من وضع النقطة في نهاية السطر، وأنه بناء عليه ولحماية بلادنا من تفشي الخطر الطائفي الذي يهدد سلامة الجميع ويهدد الوحدة والثوابت الوطنية فإن وزارة الداخلية ستقوم بتنفيذ رؤية جديدة تركز على استخدام وسائل التأثير السلمية لتحقيق الأمن وتثبيته من خلال برامج سياسية وشبابية وإعلامية يشارك فيها الجميع، وأنه لهذا السبب سيلتقي معاليه بكل شريحة على حدا لتبين الدور الذي يمكن أن تقوم به كل مجموعة حسب اختصاصها.
هذا لا يعني بالضرورة توقف رجال الأمن عن ممارسة دورهم، حيث يستوجب تواجدهم ويستوجب التعامل مع من يستوجب التعامل معه، فليس هناك من تناقض بين الرؤيتين فهما مكملتان لبعضهما، بل إن الرؤية الجديدة لا يمكن أن تتحقق في حضور الفوضى وأعمالها.
الدور في هذه الفترة ولتحقيق هذه الرؤية التي يفترض أنها جزء أساس من تفكير كافة الأطراف ذات العلاقة يقع على عدة جهات أساسية، منها الجمعيات السياسية والصحافة والإعلام وعلماء الدين والمعلمون، فلكل منها دور مهم عليها القيام به كي تسهم بفاعلية لإخراج البلاد مما صارت فيه ولتهيئة العباد لمواجهة خطر الفتنة الطائفية التي بدأت تضرب المنطقة وستأكل أخضرها ويابسها.
الجمعيات السياسية بالتوقف عن ممارسة أنشطتها الميدانية التي لا ينتج عنها غير تعقيد المشكلة وبالتوقف عن دور الشاحن والمحرض، وعلماء الدين بالعودة إلى وظيفتهم الأساس والابتعاد عن العمل السياسي الذي شغلهم عن مهامهم، فيتفرغون للنصيحة ولبيان خطورة ما يجري في المنطقة على الوطن والدين والحياة للشباب القابل بطبيعته للتأثر بما يجري وبالانخراط في قضية لا ناقة له فيها ولا جمل، والصحافة والإعلام بالابتعاد عن ممارسة كل دور دخلوا فيه لظروف معينة والتركيز على أهمية اللحمة الوطنية والدعوة إلى الابتعاد عن العنف ورفض كل ما يعزز الطائفية ويوفر لها الفرصة للنيل من هذا الوطن، والمعلمون وكل من يمتلك القدرة على توجيه النصيحة وتعديل السلوك بالتفرغ لهذه المهمة، فالمسؤولية مسؤولية الجميع ولا عذر لمتخلف عن القيام بدوره.
الواضح من اللقاء المذكور أن الرؤية الجديدة تستهدف من تقل أعمارهم عن العشرين ممن غرر بهم، وأنها تتيح الفرصة للجميع للقيام بدورهم الوطني.