في عام 2002 جرت الانتخابات النيابية البلدية بشكل مختلف عما جرت عليه في 2006 و2012، فقد كانت هناك دوائر بلدية مختلفة عن النيابية، فقد كانت هناك 50 دائرة بلدية مقابل 40 دائرة نيابية، ثم جاء في 2006 تعديل على قانون البلديات وقرار من مجلس الوزراء ليماثل الدوائر البلدية بالنيابية، وجاء هذا التعديل ليعالج موضوع تداخل اختصاصات الأعضاء البلديين في الدائرة النيابية الواحدة الأمر الذي نشأ عنه سوء تنسيق.
كان وقع الخبر عام 2006 على الرأي العام غير متوقع أن تتم تعديلات بهذا الحجم قبيل الانتخابات على الدوائر الانتخابية البلدية، حيث كان حدثاً كبيراً لا يقل أهمية عن الانتخابات ذاتها، الأمر الذي نشأ عنه إعادة ترتيب الأوراق مجدداً لكل من خاض الانتخابات في حينه، ومنها نشأت فكرة التحالف المشترك بين البلدي والنيابي، وجاء بعدها توحيد التصويت في الانتخابات النيابية والبلدية.
لذلك، فإن تغيير الدوائر وفق المصلحة الوطنية أمر ليس به ضير، بل أمر جيد إذا كان سينقلنا إلى ممارسة ديمقراطية أكثر ضبطاً وترتيباً، فرسم الدوائر الانتخابية ليس مبنياً على فكرة واحدة، بل هناك عدة اعتبارات وخصوصية لكل بلد، ولكل محافظة، ولكل مدينة، تارة بالكثافة السكانية، وأخرى بالطبيعة الاجتماعية، وكذلك السعة المكانية. بالنسبة للوفاق، كان هذا الملف منذ عام 2006 هماً ثقيلاً بالنسبة لها، فقد كانت لها عدة مواضيع تخص تعديل الدوائر، تارة بالطعن أمام المحكمة الدستورية، وتارة بتقديم المقترحات لتعديلها، إضافة إلى الأسئلة التي وجهت إلى وزير العدل آنذاك، وفي الواقع الهدف من هذا كله ليس إلا محاولة الوفاق لتقسيم الدوائر وفق ما تراه مناسباً لها باعتبار العدد فقط، دون اعتبارات أخرى.
ومع عدم إغفال عدم ممانعة أن تكون هناك دوائر انتخابية «أكثر عدالة» كما سماها وزير العدل، إلا أن المعيار العددي والتوزيع الأصم لدوائر المملكة دون اعتبارات أخرى أمر قد يعود بالضرر العكسي على العملية الانتخابية، فلا أعتقد على سبيل المثال أن الدير والسماهيج من الممكن أن تصوت لمرشح البسيتين بعد أن يصبحوا دائرة واحدة بسبب العدالة العددية... «على سبيل المثال».
الأمر الأكثر أهمية، أن رسم الدوائر الانتخابية حق أصيل لجلالة الملك، فهو المعني بإصدار هذه الدوائر بمرسوم، ويحدد فيه شكلها وحجمها، وهكذا كان «المرسوم رقم «29» لسنة 2002 بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها واللجان الفرعية للانتخابات العامة لمجلس النواب».
الأمر الآخر، أن هذه الدوائر التي تم العمل بها منذ عام 2002 انسجم معها الأهالي والمواطنين، والجميع يشعر أن هذه الدوائر تمثله وهي في محيطه الاجتماعي، فلا يوجد دائرة شاذة عن الأخرى أو متداخلة مع منطقة بشكل غير منطقي، وعلاوة على ذلك، إن الحديث عن «توزيع الدوائر الانتخابية» حديث يطول جداً، فغالبية الدول التي تدعي الديمقراطية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية غيرت نظام ترسيم الدوائر لعدة مرات وبناء على عدة معايير، وليست الدول الأخرى حولنا بمثل بعيد عنا.
إن استقرار الدوائر الانتخابية، يعني استقرار النظام السياسي، وطالما أن المواطن سيصوت وسيكون له تأثير في العملية الانتخابية، فهذا أمر مقبول باعتبار أن كل محافظة ودائرة لها خصوصية عن الأخرى، فليس صحيحاً أن صوتاً في دائرة يعادل عشر أصوات في دائرة أخرى، فهذا القياس لا يجوز على هذا النحو، حيث إن الكتلة الانتخابية تختلف في كل دائرة، فليس من المعقول والمنطقي أن تقسم البحرين إلى دوائر على أساس الكثافة السكانية، كما إن الحديث آنذاك عن الدائرة الانتخابية الواحدة كان ضرباً من الجنون.