محافظات جنوب العراق أشد فقراً وجوعاً.. رغم أنها تعوم فوق أكبر وأغنى آبار النفط في العالم وحالهم كحال «البعير الذي يحمل الذهب ويقتات على العاكول»
ما يحدث من حراك وانتفاضة انطلقت هذه الأيام في محافظات كربلاء والديوانية والبصرة الفيحاء يثبت للعالم أن الثورة العراقية التي انطلقت شرارتها من الموصل الحدباء، ليست ثورة طائفية أو مجموعة إرهابيين أو دواعش، كما يحلو لقاسم سليماني وكيري وأبواق المالكي تسويقها إعلامياً، وهي ليست موجهة ضد الشيعة أو ضد السنة، إنها ثورة المضطهدين والمظلومين والمحرومين ضد الطغاة والجلادين والفاسدين، عنوانها الرئيس تخليص البلاد من أذناب المحتل وإعادة العراق إلى حاضنته العربية الإسلامية، وتلقين الغرباء درساً قاسياً بأن شعب العراق بسنته وشيعته وكرده ومسيحييه، وكل طوائفه وأطيافه أينما حلوا وارتحلوا، لا يرضون أن يكونوا تبعاً للمحتل أو لولاية الفقيه، وأن ديمقراطيتهم وثوراتهم المزعومة لا تصلح لبلادنا ويجب ألا تتجاوز بلدانهم.
إن ما وقع من ظلم وبطش على المحافظات السنية هو أضعاف ما وقع على أهلنا في جنوب العراق، فقد مارس الجيش المليشاوي ضدهم القتل والتصفيات والاعتقالات العشوائية والإعدامات بمحاكمات صورية واغتصاب المعتقلات الحرائر، فضلاً عن انتهاك مقدساتهم وهدم وحرق مساجدهم، كل ذلك الظلم تحملوه وخرجوا بالآلاف في مظاهرات سلمية ليوصلوا صوتهم إلى العالم، وبدلاً من محاورتهم وتنفيذ جزء من مطالبهم تم سحقهم وإبادتهم ودك مخيماتهم بالطائرات والمدفعية، كما حدث في مجزرة الحويجة ومعارك الأنبار والفلوجة.
أما أهلنا في الجنوب ومحافظات الفرات الأوسط فقد تنعموا بشيء من الأمن والأمان، كون قادتهم ومليشياتهم وسياسييهم هم من طيف واحد. إلا أنهم ما زالوا يعانون من الفساد والحرمان والبطالة وتفشي الأمراض وانعدام الخدمات والبنى التحتية وتعطل كل مفاصل الحياة، والتي هي مصدر أرزاقهم، خاصة في قطاعي الزراعة والصناعة.
وحسب آخر الإحصائيات للمنظمات العالمية؛ فإن محافظات جنوب العراق هي أشد محافظات العراق فقراً وجوعاً، رغم أنها تعوم فوق أكبر وأغنى آبار النفط في العالم، وحالهم كحال «البعير الذي يحمل الذهب ويقتات على العاكول».
لكن الذي سرع بانفجار الأوضاع في المحافظات السنية وخروجها عن السيطرة هو تعامل طغاة العصر ومليشياتهم بلغة الحديد والنار، حيث تم معاملة المنتفضين بوحشية لم تتعامل حتى الصهيونية بقسوتها مع الفلسطينيين، اعتبرتهم اعداء وليسوا أهل بلد أصلاء يمثلون أكثر من نصف المجتمع العراقي. وسكوت مرجعيات النجف لسنين وعدم إدانتهم لأبشع الانتهاكات التي مورست ضدهم أعطى ضوءاً أخضر بالإيغال في إجرام قادتهم ومليشياتهم، بل اعتبر الكثير من مليشياتهم أن تصفية وإيذاء الطرف الآخر هو نوع من القربات وأفضل العبادات.
وبدل أن تتدارك المرجعية المتمثلة بالسيد السيستاني الموقف الخطير الذي انزلق فيه البلد بسبب عنجهية النظام وفساده وتبلد قادته وأميتهم في السياسة؛ أصدر فتواه المسيسة المثيرة للجدل، والتي أججت الأوضاع سلباً، كمن يصب الزيت المغلي على النار.
هذه الفتوى التي استهجنتها بعض المراجع الشيعية مثل المرجع علي الأمين والمرجع آية الله محمود الحسيني الصرخي، المرجع ذو الأصول العربية من مواليد 1964 بغداد /الكاظمية وهو من طلبة المرجع محمد محمد صادق الصدر، والذي تميز بمواقفه الوطنية المناهضة للاحتلال والتدخل الإيراني السافر وهيمنته على المشهد العراقي، مما جعله مطارداً من الاحتلال والحكومة ومليشياتها.
لقد أطلقها صرخة مدوية هزت أركان البيت الشيعي وخلخلت ثوابته: «إن فتوى الجهاد الكفائي ضد المكون السني هي فتوى سياسية بامتياز وإنه هو وأتباعه بالضد من تلك الفتوى التي ستحرق الأخضر واليابس»، وسرعان ما انتشرت تلك الكلمات الهادرة القوية في أوساط أهلنا في جنوب العراق ومحافظات الفرات الأوسط كسريان النار في الهشيم، فما كان من طاغية المنطقة الغبراء إلا أن حرك طيرانه وصوب فوهات مدافعه وقواته القذرة تجاه كربلاء والديوانية والبصرة الفيحاء لإخماد الثورة، لكن هيهات هيهات فقد تصدع وانهار السد وبدأ الطوفان «من الموصل الحدباء.. وها هو على مشارف.. البصرة الفيحاء»
بوركت صرختك أيها الصرخي