لست في معرض درء التهمة عن الزميل طارق العامر أو إثباتها؛ فهذا موضوع أشبع بحثاً ولم يبق أحد إلا وأبدى رأيه فيه وعبر عن موقفه منه، لكنني أهتم هنا بإثارة أمرين؛ الأول يتعلق بشخص الزميل وصفاته، والثاني بالسند الذي يفتقده الصحافي والذي يفقده الشعور بالأمان وهو يعمل قاصداً خدمة الوطن، حيث وقوعه فيما يراه البعض خطأ يعني اهتزاز حياته وإحساسه بغياب الأمان الوظيفي والخوف على مستقبل عياله.
علاقتي بالزميل طارق العامر تمتد إلى أكثر من عشرين سنة، لم أسمع منه خلالها قط عبارات تدل على أنه طائفي، حتى في «بنك» الأحداث التي مرت بالبلاد لم أسمعه يتحدث بسوء عن أحد من منطلق طائفي. طارق العامر رجل هادئ الطبع خفيض الصوت قليل الكلام، لا يحب الدخول في مهاترات وينتمي إلى أولئك الذين لا يجدون صعوبة في التعبير عن آرائهم، ولكن مع الحرص على عدم التسبب في أذى الآخرين.
هو رجل صريح، غير مجامل، عاشق للوطن، ومدافع جيد عن آرائه، ولعل هذه من عيوبه، وهو ليس من الذين يعينون الآخرين على الآخرين، وموقفه في مثل هذه الأحوال هو الرد بالابتسامة التي يعني بها أنه يأسف لأنه لا يستطيع أن يعلق على مثل هذا الأمر. أكثر من عشرين سنة لم أسمع منه ما يسيء إلى أحد، فكيف بالإساءة إلى طائفة؟
العامر وأنا كنا ضمن اللجنة التي تم اختيارها لتحديد المعايير التي بناء عليها سيتم تكريم الصحافيين من قبل صاحب السمو رئيس الوزراء في اليوم العالمي لحرية الصحافة. في الاجتماع الأول للجنة دعا العامر إلى أن يكون المعيار الأساس للتكريم هو تجاوز المرشحين العمل في بلاط صاحبة الجلالة عشرين سنة، وأصر على ألا يؤثر موقف بعض الزملاء من الأحداث التي شهدتها البحرين عليهم فيحرمون من حقهم في التكريم، كما أصر على عدم النظر إلى مذاهبهم أو توجهاتهم، وهكذا كان، حيث اتفقت اللجنة على معيار خدمة العشرين سنة وأكثر.
إصرار العامر على رفضه لحرمان من يستحق التكريم لأسباب تتعلق بالانتماء المذهبي أو بالجينات الطائفية يؤكد عدم طائفيته. طارق العامر بعيد تماماً عن الطائفية ولم أتبين قط أن موضوع «هذا شيعي وذاك سني أو هؤلاء شيعة وأولئك سنة» يهمه، بل أكاد أجزم أنه بعد كل هذه السنين التي عرفته فيها لا يدري إن كنت أنا شيعياً أم سنياً، وأجزم أنه لم يسأل أحداً هذا السؤال عني.
أما ما حدث له بعد المقال الذي كتبه واعتبره البعض تجاوزاً على طائفة وخطأ كبيراً استدعى الاعتصام أمام مبنى الصحيفة التي نشرت المقال، واستدعى تناول بعض خطباء المساجد له لما رأوا أنه إساءة إلى أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام، فيستدعي وقفة.
فقد تم تقديم الزميل إلى لجنة تحقيق في الصحيفة، وهذا إجراء اعتيادي، وتم تناقل الأخبار عن إقالته أو توقيفه من العمل، وهو ما اعتبره البعض الذي اتخذ موقفاً من المقال وصاحبه جزاء عادلاً أفرحهم. ليس هذا موضوعي فهو شأن داخلي يخص الصحيفة الزميلة ويخص من اعتبروا أنفسهم متضررين، لكن موضوعي هو مصير الصحافي والكاتب الصحافي لو وقع في خطأ، هل يجوز لإرضاء الجهة التي اعتبرت نفسها متضررة أن يخسر مستقبله وترتبك حياته وتتعطل وتنسى كل أفعاله ومواقفه الإيجابية التي خدم بها الوطن؟ السؤال موجه لهيئة شؤون الإعلام وجمعية الصحافيين البحرينية ومجلسي الشورى والنواب وكل ذي علاقة بالدولة، ذلك أن الوضع الذي صار فيه الزميل طارق العامر يبدو وكأنه مختطف!