أكد صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر في أكثر من مناسبة ضرورة فتح المسؤولين أبوابهم أمام المراجعين، كما أكد سموه ضرورة الاستماع لمشاكلهم ومحاولة حلها ومتابعتها، حيث لا يترك سموه فرصة إلا ويؤكد ضرورة اتباع مبدأ سياسة الباب المفتوح وضرورة انتهاجه وسلكه واعتباره مبدأً من مبادئ الشفافية التي تنتهجها حكومة البحرين.
كما انتهج صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة منهجاً رائعاً من خلال زياراته المفاجئة للمسؤولين في مكاتبهم، كنوع من الرقابة والإشراف والتأكد من آلية سير العمل في المؤسسات، والتعرف على مختلف الإدارات والأقسام من الداخل، وتميزت زيارات سموه بتفقد جميع الإدارات وبالسلام على الموظفين وسؤالهم عن سير العمل، ولم يكن يختص سموه أثناء هذه الزيارات التفقدية الإدارة التنفيذية فقط!!
ولكي لا أبالغ من حقيقة الواقع؛ فإن سياسة الأبواب المغلقة لا تطال المراجعين فقط؛ بل امتدت في بعض مؤسسات الدولة لتطال الموظفين أنفسهم.
حدثني أحدهم، وهو يعمل في وزارة خدمية، بأنه لم يلتقِ الوزير قط، رغم أنه يعمل فيها ما يربو على 10 سنوات، فسألته: «ألم تره في أية فعالية اجتماعية تقيمها الوزارة وتضم الموظفين؟»، فاستنكر سؤالي قائلاً: «وزارتنا تقوم بالعديد من الفعاليات ولكنها لكبار المسؤولين فقط».
وفي حديث منفصل مع إحدى الزميلات قالت: «لا أعرف شكل الوزير إلا من خلال الصحف، فلوزيرنا مصعد خاص يوصله إلى عرشه ليستقر فيه طيلة فترة الدوام، أما الطابق التنفيذي فهو للأشخاص الذين يود الوزير مقابلتهم، وهو مكان محرم لا يستطيع أي موظف دخوله إلا بإذن مسبق». وتضيف: «وزيرنا، لديه طاقم متكامل من حراس البوابة بمسميات وظيفية مختلفة هم من يحددون أسماء الأشخاص المحدد لهم بالدخول والتحدث إلى سعادة الوزير، أما في المناسبات والفعاليات الاجتماعية التي تقيمها الوزارة فيمنع منعاً باتاً أن نقترب من الطاولة الرئيسة والتي تسمى بطاولة VIP، حيث يجلس فيها الوزير مع حاشيته وكبار المسؤولين فقط. وأضافت بعفوية: «أطمح أن أسلم عليه وأن أعرفه بنفسي فقط».
تقول أخرى: «أنا أشد حظاً من الأخريات، فقد حظيت بمقابلة الوزير في إحدى الفعاليات الاجتماعية، وبدا الوزير متواضعاً حريصاً على التعرف على كل شخص منا، وقد صافحته وعرفته بنفسي وعندما علم أنني أعمل في خدمات الزبائن سألني عن رأي المراجعين في القرارات الأخيرة التي تم اعتمادها وتطبيقها، وقد أجبته بعفوية؛ أن من وضع هذه القرارات لم يكلف نفسه عناء النزول إلى الطابق الأرضي ليدرس المشكلة قبل أن يشرع في حلها»، وتضيف: «أعتقد أن صراحتي كلفتني الكثير، لم أكن أقصد إهانة الوزير ولا الوكيل ولا الوكيل المساعد، ولم أكن حتى أقصد مدير الإدارة القابع في مكتبه طوال اليوم، لكني كنت أعني أن النظريات مهما كانت رائعة إلا أنها لا تنفع كعلاج لكل مرض، وأن من يمارس العمل ويختلط بالمراجعين يعرف مكامن الخلل والقصور، ويستطيع الإدلاء بأفكاره أفضل من الشركات الاستشارية».
سأكتفي بهذا القدر من القصص مع أن في جعبتي الكثير لأناقش معكم سياسة «الأبواب المغلقة»، حيث إنها ليست بباب واحد، هي مجموعة من الأبواب.
لست ضد التراتبية، ولست مع أن يزاول الوزير عمل الموظف لكي يفهم سير العمل، كما إنني ضد أن يتجاوز الموظف مسؤوله المباشر ولا يحترم الهرم الوظيفي لأي غرض كان. ولكنني بالمثل ضد أن ينشغل الوزير والإدارة التنفيذية بكل شاردة وواردة ما عدا موظفي وزارته، وضد أن يحرم موظف من الالتقاء بالإدارة التنفيذية، وضد أن يغلق الباب أمام موظف دونما سبب مقنع.
لا أقصد أن يترك الوزير باب مكتبه مفتوحاً لاستقبال جميع الموظفين وأن يترك عمله الاستراتيجي، وأؤمن بأن لكل مسؤول دوره ومهامه الوظيفية، لكن يؤسفني جداً أن يكون طموح أحد الموظفين مقابلة المسؤول الأول في المؤسسة.
تقول صديقتي وهي تعمل في القطاع الخاص في إحدى الشركات العالمية بأن رئيسهم التنفيذي يطلب من المديرين اختيار أحد الموظفين المجدين لحضور الاجتماع الدوري، ويرى الرئيس التنفيذي بأنه يجب أن يسمع رأياً مختلفاً من موظف صغير لإيمانه بأن كثيراً من الأفكار التطويرية الرائعة تسكن في عقول ممارسي المهنة وخطها الأول، كما وإنها خطوة رائدة في مجال التحفيز.
أتمنى من وزرائنا أن يجربوا هذه الطريقة، أو يبتكروا أي طريقة من شأنها أن تقربهم من مجتمع الموظفين، وأن يهجروا طاولة VIP وينسجموا مع باقي موظفيهم.