بين فترة وأخرى ترسل إيران رسائل معطرة برائحة البارود لإقليم كردستان، فتفهم الأخيرة الرسالة وتعمل بمقتضاها، لكن آخر رسالة كلفت كردستان غرامة كبيرة بالإضافة إلى استنشاق البارود.
خلال الأسبوع الماضي خاضت قوات دفاع إقليم كردستان «البيشمركة» معارك خاسرة مع «داعش» انتهت بتضييع كردستان للأراضي التي سيطرت عليها بعد أحداث الموصل في يونيو الماضي، ليس هذا فحسب؛ بل خسرت الأراضي التي سيطرت عليها عند الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لتتسع بذلك رقعة «داعش» الجغرافية.
إلى هنا يبدو الأمر وكأنه عملية توسع طبيعية «لداعش» جاءت على حساب الأكراد، لكن وراء الأكمة ما وراءها فهذه كانت مجرد رسالة من إيران إلى كردستان أوصلتها «داعش»، ذلك أن كردستان خطت خطوات خارج حظيرة إيران عندما سيطرت على الأراضي المتنازع عليها بعد هروب جيش المالكي، وكان لها موقف رافض لسياساته فسحبت وزراءها من الحكومة، بل راحت أبعد من ذلك عندما مدت أنبوباً خاصاً لتصدير نفط الإقليم إلى تركيا بالاتفاق معها وبمعزل عن حكومة المالكي، ولم تنفع ضغوطات حكومة المالكي ومعها أمريكا في منع كردستان من هذا العمل، وقد أرادت إيران أن تفهم كردستان أنها تحيط بها وأن أمنها مرهون بيدها، ففهمت كردستان الرسالة على الفور وعادت للتعاون مع حكومة المالكي من جديد، لدرجة أن إحدى نوابهم صرحت بأن الرئيس الجديد فؤاد معصوم سيخضع لحكم المحكمة الاتحادية القاضي بقبول رئيس الوزراء الذي يترشح عن الكتلة الأكبر وهو المالكي أو من يرشحه.
أما الوضع الداخلي في كردستان فيشهد موجة تهجير للعرب السنة اللاجئين والمهجرين من مناطقهم، يصاحبها غضب شعبي عارم وتجاوزات من عوام الناس بحق العرب السنة وتحميلهم وزر هجوم «داعش»، وبذلك حققت إيران أكثر من مكسب؛ فبالإضافة إلى رسالتهم المفهومة للأكراد، حرمتهم الأراضي التي سيطروا عليها والتي ستعيدها لاحقاً لحكومة بغداد، كما أن توقيت هذه العملية سبق محادثاتها النووية مع الغرب، وهو ما يشكل ورقة ضغط عليهم في المحادثات كونها هددت مصالحهم في كردستان بعدما أصبحت «داعش» على الأبواب مع أنها لن تدخل كردستان، إضافة إلى سيطرتها على أنبوب النفط المذكور، يضاف لذلك أنها قطعت إمكانية أي تدخل كردي لصالح العرب السنة وحل قضيتهم، وسيكون ذلك حاجزاً بين العرب السنة والكرد أمام عقد أي تحالف وليس أمامهم إلا العودة إلى التحالف مع الشيعة، وربما ستتخلص كردستان قريباً من قيادات العرب السنة المعارضين لإيران ونفوذها في العراق والذين يتخذون من كردستان مقراً لهم، وبذلك ألحقت خسارة بالأكراد والعرب السنة معها.
رسالة مكلفة أشعرت كردستان بتهديد حقيقي وعلمت بشكل واضح أن أمورها لا تزال بيد إيران المفوضة من أمريكا للتصرف بشؤون العراق فعادت إلى حظيرة إيران من جديد.