«لامساس بالحريات رغم جسامة خطر الإرهاب»؛ هكذا يردد دائماً صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، ملخصاً بهذه العبارة واقع ومستقبل البحرين وتوجهات القيادة وسياستها، ومؤكداً أن الحكومة لا تتخذ من ما يمارس من إرهاب في الداخل وقريباً من دارنا ذريعة للتضييق على الحريات، وأنها لا تعتبر كم القضايا التي تورط فيها الإرهابيون وتوفر عليها ألف دليل ودليل سبباً كافياً للتضييق على الحريات، فالحريات في قاموس قيادة البحرين مفردة لا يمكن التفريط فيها، ولا يمكن السماح لأي شيء أن يؤثر عليها، لأن الحريات في هذه البلاد هي نتاج طبيعي للتطور الاجتماعي والسياسي الذي شهدته، أي أنها مرت بالعديد من المراحل حتى وصلت إلى هذه المرحلة، وبالتالي لا يمكن التفريط فيها أياً كانت الأسباب ومهما كان موج الإرهاب عالياً.
هنا سيقفز من يفهم الأمور بشكل خاطئ ليقول إنه يتم التضييق على الحريات في البحرين، وإن الدليل على ذلك هو منع بعض المسيرات والتعامل مع بعضها بطريقة تتنافى مع الحريات ووضع البعض على قائمة الممنوعين من السفر، وسيصف من الكلام ما يحتوي كثير من المتناقضات ويفند نفسه بنفسه.
لا تضييق على الحريات في البحرين، وهذا أمر ليس جديداً، فالحريات هنا مصانة وتزداد مساحتها يوماً بعد يوم، ويعرف الداني والقاصي أنها تضاعفت مرات في السنوات الأربع عشرة الأخيرة؛ أي في العهد الإصلاحي لجلالة الملك. أي أن المشكلة تكمن في الفهم الخاطئ لمفهوم الحريات، حيث البعض يعتقد أنها تتيح له فعل كل ما يشاء، بأي طريقة يشاء، في أي وقت يشاء، من دون أي اعتبار للآخرين وللقوانين والأنظمة، ومن دون أي اعتبار للظروف الأمنية وظروف المنطقة وتطورات الأحداث فيها والتي تستوجب أقصى درجات الالتزام والحرص.
هذا البعض يفهم الحريات على أنها أمر يبيح له ممارسة السب والشتم والتطاول على العادات والتقاليد وعلى كل شيء، ويفهمها على أنها تتيح له ممارسة التخريب والفوضى تحت ذريعة حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها من العناوين البراقة.
اليوم بإمكان كل عاقل أن يلاحظ أن حكومة البحرين لا تمنع أحداً من التعبير عن رأيه وما يؤمن به من أفكار ويقتنع به من مواقف، فالأفراد والجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني كلهم يتحدثون إلى الصحف والفضائيات والإذاعات بكل حرية ومن دون محاسبة، وينشرون ما يشاؤون من آراء عبر المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وأن هذا يشمل كل شيء. الدولة هنا تحاسب على شيء واحد فقط هو الخروج عن القوانين والأنظمة التي تحكم كل هذه الممارسات، فتمنع مثلاً التطاول على الأفراد والأديان والمذاهب والعادات والتقاليد والأعراف، وهذه أمور ينظمها القانون ويصر عليها العقل ويؤكدها الدين الإسلامي الحنيف وكل الأديان، فليس من التضييق على الحريات المحاسبة على توجيه الشتائم للآخرين سواء كانوا أفراداً أو شخصيات اعتبارية، وليس من التضييق على الحريات منع التطاول على الأديان والمذاهب والعادات والتقاليد، تماماً مثلما أنه ليس من التضييق على الحريات وضع قواعد وأسس للخروج في المسيرات والمظاهرات وتنفيذ الاعتصامات ومنع تعطيل حياة الآخرين باختطاف الشوارع، لأن هذه الأمور تنظيمية وتضمن حقوق الجميع وهي مظهر حضاري يفترض أن تصر عليه «المعارضة» قبل غيرها.
ما يتم تنفيذه من عمليات إرهابية في المنطقة وقريباً من دارنا وفي دارنا يعطي الحكومة الحجة والعذر في التضييق على الحريات لو أرادت، لكنها رغم كل شيء وعلى لسان رئيسها يأتي التأكيد باستمرار على أنه لا مساس بالحريات رغم جسامة خطر الإرهاب، فهل بعد هذا الكلام من كلام؟