من لا يريد الاستماع لآراء الناس، ويحاول أن يعتبرها غير موجودة، فهو إما شخص لا يحترم الناس ولا يقيم لهم مكانة أو وزناً، أو أنه شخص يحاول الهروب من واقع، الناس هم من يذكرونه به عبر آرائهم ومواقفهم.
خلق الله الناس أحراراً، وكرس هذا المفهوم من خلال مختلف رسله وأنبيائه، وسار على نهجهم من تبعهم، فالحرية تكمن في قول الرأي بلا قيد أو شرط، في رفض الأخطاء، وفي المطالبة بالتصحيح والإصلاح. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالها وكله غضب في وجه عمرو بن العاص الذي ولاه حكم مصر: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!»
حرية الجسم قد تسلب، وحصل لها بأن تسلب على امتداد التاريخ، لكن تظل حرية العقل والإرادة والوجدان والضمير هي أمور تعجز عن سلبها أعظم القوى. وهناك من يقبل بأن يسلم إرادته وكيانه لأشخاص أو جهات، لكن هناك أيضاً من يستعد للموت من أجل حريته ومن أجل ألا يكون عبداً تابعاً لا وزن له ولا قيمة لما يؤمن به.
على امتداد التاريخ حوربت الحرية، وسعى كثيرون للسيطرة على إرادة الناس، فالحرية هي الخط الفاصل بين القبول بالأخطاء وبين رفضه، هي الفارق بين المشاركة والتبعية، وهي الفيصل في التمثل بدور العبد أو الحر.
لما يخاف البعض من ممارسة الحرية بشكلها الصحيح؟! ولا نعني هنا بأن تكون الحرية مسوغاً لسيئات الأمور وأرذل الأفعال، بل نعني بها تلك الحرية الإيجابية التي تكون عوناً وسنداً ومنبر نصح وأداة تصليح.
كيف يمكن إصلاح كثير من الأمور المعطوبة إن اقتنع الناس بأن كلامهم لا يصل؟! كيف نصحح المسارات الخاطئة إن كنا لا نهتم بما يقوله الناس؟! أو أقلها إن كنا لا نحرص على معرفة ما يقولون؟!
أمم زالت وحضارات ذهبت حينما ساد استياء الناس من حالهم، حينما اقتنعوا بأنه لا موقع لهم من الاهتمام أو الإعراب. وعلى النقيض حضارات مهيبة قامت لأنها بنيت على أقوى أساس وهو تعاضد الناس مع أصحاب القرار، ولأن الناس تعرف بأن لها متنفساً في الحديث والتعبير.
في البحرين يوجه كل الشكر والتقدير لجلالة ملكنا الحبيب حفظه الله على فتحه باب الحريات على أوسع مصراعيه، له خالص الحب لأنه الحريص على تعزيز مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير. وعلى نهجه نؤمن بأننا كصحافة نعمل ونمارس دورنا بالأخص النقد الهادف الذي يكون أداة بناء لا معول هدم، وعلى أساس مشروع جلالته رأى الناس الفارق وكيف أن الحديث الصريح الحر متاح إلى أبعد مدى وأقصى مجال.
بالتالي يبقى المعيق لهذا الحق المتمثل بحرية التعبير والرأي هو تفسير بعض أصحاب القرار وبعض المسؤولين له، وللأسف هناك من يرى هذه الممارسة المكفولة «هرطقة» و«مناهضة»، ويحصل ذلك حينما تتشخص المسؤوليات في شخص المسؤول، حينما يضيع الفهم والاستيعاب بأن النقد للعمل الذي يشوبه التقصير، وتتعاظم المسألة حينما يتم نسيان أن الناس لا تمارس النقد (أغلبها وليس كلها) إلا حينما ترى أموراً خاطئة لابد وأن يقرع الجرس بشأنها، ولا بد من إطلاع قيادة البلد عليها، لأن استمرارها يعني أن هناك من يلعب دور «الموصل غير الجيد» لما يموج به الشارع.
رمز البلاد الأول جلالة الملك نصره الله، ورئيس الحكومة وولي العهد حفظهما المولى القدير، جميعهم مؤمنون بحرية التعبير ومسؤولية الكلمة الصادقة ويحثوننا عليها، بالتالي لا يجب للمواطن إن كان يمارس حقه بكل أدب واحترام وإخلاص لهذه الأرض أن يقبل بسلب حقه ومنع صوته من الوصول بناء على رغبة مسؤول أو إرادة متنفذ.
كلنا نحب هذه الأرض ولا نزايد على أحد، ومن حبنا لها ننتقد الأخطاء رغبة في إبدالها بإيجابيات وإصلاحات، فمن يرى ذلك جريمة، فأعانه الله على نفسه!